إن ما يجري في السودان من اشتباكات مسلحة بين الجيش السوداني ممثلا بقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الفريق الأول عبدالفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، ويمكن أن يفهم هذا الاشتباك بين شركاء الانقلاب على الرئيس السابق عمر البشير، في سياق الاستحواذ على الحكم وهي إحدى تجليات شهوات النفس.
هذا الاشتباك يجعلنا نستذكر وزير الدفاع السوداني عبد الرحمن سوار الذهب، حينما قام بانقلاب عسكري ضد حكم جعفر النميري، الذي غلّب الاعتبارات الوطنية على الاعتبارات المجد الشخصي وهزم شهوات النفس في الحكم في المرجلة الانتقالية آنذاك.
لم يكن انقلاب عبدالرحمن سوار الذهب من أجل الاستحواذ على الحكم والتمتع بمزاياه، وإنما كانت غايته إنقاذ الدولة والشعب السوداني من حكم جعفر النميري الذي انتجت سياساته حالة من القلق الاجتماعي في الدولة، فقد على أثرها شرعيته في الحكم. لذلك كان إزاحته عنه تعد بمثابة مصلحة وطنية عليا للدولة السودانية.
هنا أدرك وزير الدفاع السوداني عبد الرحمن سوار الذهب أن الانقلاب العسكري أصبح أمرًا لا مفر منه، وبينما كان ففي السادس من نيسان/ إبريل عام 1985م، تمكن سوار الذهب من الإطاحة بالرئيس الأسبق جعفر النميري، ونوابه ومعاونيه ومستشاريه، واعلنت المؤسسة العسكرية انحيازها الكامل لمطالب الشعب، وأعلن تعطيل العمل ، ونقل السلطة للشعب عبر فترة انتقالية مدتها عام واحد.
في أثناء الفترة الانتقالية عمل سوار الذهب عمل على حلَّ جهاز أمن الدولة سيئ السمعة في زمن النميري، واعتقل المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد، ومن خلال تواصله مع وكلاء الوزراء اكتشف أن السودان يعاني من ضائقة مالية ونفطية. وبسبب علاقة عبد الرحمن سوار الذهب المتميزة مع بعض دول الخليج العربي، تمكن من إخراج السودان من ضيقته المالية والنفطية خلال الفترة الانتقالية.
فتلك الفترة لدى عبدالرحمن سوار الذهب لم تكن من أجل صناعة مدش شخصي كما أنها لم تكن لفرض سياسة الأمر الواقع ولم تكن لتصفية الخصوم أو المنافسين على الحكم – كما يحدث حاليا في السودان- للتهيئة لكي يحكم السودان في مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية وانما كانت مرحلة تحضيرية لإجراء انتخابات، وهذا ما تحقق.
ففي السادس من أبريل/نيسان عام 1986، وبإشراف مباشر من عبد الرحمن سوار الذهب أُجريت الانتخابات التي استمرت على مدار 12 يوما، وعلى أثر نتائجها سلّمتُ مقاليد الحكم للحكومة المنتخبة الجديدة لرئيس وزرائها الصادق المهدي آنذاك. وتم حل المجلس العسكري الانتقالي والحكومة الانتقالية. وهذا دليل واضحًا بأن أسوار الذهب كان زاهدًا بالحكم.
تثبت تجربة عبد الرحمن سوار الذهب في ترأسه المجلس العسكري السوداني صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في السودان آنذاك، أنه لم يكن مطلقا متعطشا للحكم، ولم تستهويه تجربة الحكم، كما لم تستهويه تجربة الانقلابيين السابقين سواء في السودان أو في الدول العربية التي شهدت انقلابات عسكرية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في ترسيخ شرعية الأمر الواقع ” سياسة الأمويون والعباسيون” والدليل على ذلك، أن بعض أعضاء المجلس العسكري الانتقالي آنذاك كانوا كلما ذكّرهم عبد الرحمن سوار الذهب بضرورة الإسراع والانضباط في المواعيد لأنهم عما قريب سيُحالون للتقاعد بعد تسليم الحكم للحكومة المنتخبة، كانوا يقولون له: رجاء أن تنسى هذا فإننا سنضطر لتمديد الفترة الانتقالية ولا محالة، لكنه كان يرد بصرامة وحزم: هذا مستحيل، لقد أعلنّا عن فترة انتقالية مدتها سنة واحدة وسنلتزم بكلمتنا أمام الشعب”.
خلاصة القول يعد عبد الرحمن سوار الذهب من خلال سلوكه السياسي في المرحلة الانتقالية تعد ظاهرة انقلابية أخلاقية لم تتكرر في عالم الانقلابات العسكرية في الوطن العربي،لذلك هذه الظاهرة تستحق الدراسة في مجال العلم النفس السياسي كيف لقائد انقلاب عسكري اجتمعت بين يديه عناصر البقاء في الحكم لكنه تخلى عنه طواعية دون أن يجبر على ذلك.لذلك فإن السودان بأمس الحاجة في هذا الظرف الصعب إلى قائد بقيمة عبدالرحمن سوار الذهب كي يصل بالدولة السودانية إلى بر الأمان وليس إلى الهاوية.
معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية