هل حان أوان الدقم؟

هل حان أوان الدقم؟

انتبهت الصين مبكرا لأهمية موقع سلطنة عمان الإستراتيجي واستفادت من الأزمة المالية التي شهدتها السلطنة خلال السنوات الماضية بسبب انخفاض أسعار النفط، باقتراح تمويل مشروع مصفاة الدقم الذي سيسمح لها بالسيطرة على الممرات العمانية لشحن النفط.

لندن – تتمتع سلطنة عمان بسواحل طويلة على امتداد خليج عمان وبحر العرب، مما يمنحها وصولا متكافئا وغير مقيد إلى أسواق الغرب والشرق.

ويجعل هذا من عُمان وموانئها ومنشآت تخزينها الرئيسية البديل الحقيقي الوحيد في الشرق الأوسط لمضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران، والذي يمر عبره ثلث إمدادات النفط الخام في العالم.

وبحسب مقال لسايمون واتكينز نشر في موقع أويل برايس، يكمن التطور الحاسم في هذا السياق في الانتهاء من مشروع مصفاة الدقم الرئيسي الذي بلغ مرحلته النهائية.

وسجّلت الدولة حوالي خمسة مليارات برميل فقط من احتياطيات النفط المؤكدة المقدرة، لكن هذا يتركها في المرتبة الـ22 في العالم.

ولذلك كانت عُمان تتطلع إلى خلق قيمة مضافة من هذه الموارد من خلال استخدامها كمادة وسيطة لتطوير قطاعها البتروكيماوي على مستوى عالمي. لكن مشكلة عمان في اختيار هذا النهج كانت تكمن في ضرورة ضخ الأموال لبناء وجود كبير للبتروكيماويات قبل رؤية أي إيرادات كبيرة.

وارتفع الضغط المالي على عمان خلال سعيها لتحقيق طموحاتها في مجال البتروكيماويات عندما أعلنت المملكة العربية السعودية حرب أسعار النفط الثانية في 2014 – 2016.

وأثّرت هذه الحرب على جميع اقتصادات دول أوبك، لكن تبعاتها الأكبر كانت في عمان التي تشكل أرباحها في مجال الطاقة أكثر من 80 في المئة من عائداتها الحكومية. كما ارتفعت تكلفة مشروع مصفاة الدقم من 6 مليارات دولار إلى حوالي 18 مليارا.

وأصبحت عمان بسبب هذا الضغط المالي أكثر تأثرا بدبلوماسية دفتر الشيكات الصينية. وتشكّل الصين حوالي 90 في المئة من صادرات النفط العمانية. وتتكون جل صادراتها الحالية من البتروكيماويات.

وسارعت الصين إلى الاستفادة من ذلك الوضع بتوقيع استثمار بقيمة 10 مليارات دولار في مصفاة نفط الدقم في 2016، مع تركيز أولي على استكمالها.

ولكن الخطط تضمنت كذلك محطة لتصدير المنتجات في ميناء الدقم ومحطة تخزين النفط برأس مركز. كما وُجّهت الأموال الصينية لبناء منطقة صناعية في الدقم تبلغ مساحتها 11.72 كيلومترا مربعا وتشمل الصناعات الثقيلة والخفيفة ومختلطة الاستخدامات.

ويكمن هدف الصين النهائي في تأمين سيطرة كافية على السلطنة لإدارة كل الممرات الرئيسية المعتمدة لشحن النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا التي تتجنب طريق رأس الرجاء الصالح الأكثر تكلفة والأكثر تحديا من الناحية البحرية، ومضيق هرمز الأكثر حساسية من الناحية السياسية.

ويتماشى هذا مع هدف بكين الإستراتيجي الواسع الذي يتجسد في مشروع الحزام والطريق. وتتمتع الصين بالفعل بسيطرة على مضيق هرمز بفضل اتفاقها الشامل مع إيران لمدة 25 عاما.

الأموال الصينية وجهت أيضا لبناء منطقة صناعية في الدقم وتشمل الصناعات الثقيلة والخفيفة ومختلطة الاستخدامات

وتمكّن الصفقة الصين من السيطرة على مضيق باب المندب الذي يمر النفط خلاله عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل أن ينتقل إلى البحر المتوسط ثم يتجه غربا. ويقع مضيق باب المندب بين اليمن (الذي يعطله الحوثيون المدعومون من إيران) وجيبوتي التي فرضت الصين قبضتها عليها.

لكن للصين خطط أخرى تشمل سلطنة عمان، ومنها تمكين شريكتها إيران من بناء أعمالها في مجال الغاز الطبيعي المسال. وتتمثل الخطة في أن تستخدم إيران ما لا يقل عن 25 في المئة من إجمالي طاقة إنتاج الغاز الطبيعي المسال العمانية البالغة 1.5 مليون طن سنويا في مصنع قلهات. وحُدد هذا في اتفاقية التعاون الأوسع بين عُمان وإيران في 2013، التي تطورت في 2014 قبل التصديق عليها في أغسطس 2015.

وتمحورت الاتفاقية حول استيراد عمان لما لا يقل عن 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا من إيران لمدة 25 عاما عبر خط أنابيب تحت الماء.

وكان من المقرر أن يبدأ العمل بالصفقة في 2017، بما يقارب المليار قدم مكعبة في اليوم وبقيمة تبلغ حوالي 60 مليار دولار في ذلك الوقت. ثم تغيّر الهدف إلى 43 مليار متر مكعب في السنة لمدة 15 عاما، ثم إلى 28 مليار متر مكعب في السنة على الأقل لمدة لا تقل عن 15 سنة.

وسيتألف الجزء البرّي من المشروع من حوالي 200 كيلومتر من خط أنابيب 56 بوصة (سيتم بناؤه في إيران)، يمتد من رودان إلى جبل مبارك في مقاطعة هرمزجان الجنوبية. وسيشمل الجزء البحري قسما بطول 192 كيلومترا من خط أنابيب 36 بوصة بطول قاع بحر عمان على أعماق تصل إلى 1340 مترا من إيران إلى ميناء صحار في عمان.

وكانت هذه الصفقة تهدف إلى توسيع نطاق حرية حركة الغاز الإيراني (والنفط لاحقا) عبر خليج عُمان إلى أسواق النفط والغاز العالمية. وصُمم هذا المسار لتكرار سيناريو التدفقات الخالية من العقوبات الذي كان قائما في العراق.

لكن طبيعة المشروع الإيراني – العماني للغاز الطبيعي المسال الخارقة للعقوبات جعلت الولايات المتحدة تدرج منعه ضمن جهودها لمنع طهران من توسيع طرق تصدير الهيدروكربونات إلى السوق المزدهرة الآسيوية.

وقبل مقاطعة قطر في 2017، كان البديل الرئيسي للولايات المتحدة في ما يتعلق بعُمان يكمن في زيادة استخدامها للغاز من قطر، عبر خط أنابيب دولفين الذي يمتد من قطر إلى عُمان عبر الإمارات العربية المتحدة، أو على شكل الغاز الطبيعي المسال. لكن عُمان رفضت هذا الاقتراح. كما تعززت رغبة السلطنة في إعادة تنشيط خطط خط أنابيب الغاز بين إيران وعُمان بسبب ارتفاع مقابل سماح الإمارات العربية المتحدة بمرور الغاز من إيران عبر مياهها، وهو ما يندرج ضمن إستراتيجية الولايات المتحدة لإقناع عمان بتلقي غازها من قطر.

ومع بعض المساعدة من الصين والولايات المتحدة، أعلنت شركة مصفاة الدقم وشركة الصناعات البتروكيماوية عن بدء التشغيل التجريبي لوحدة تقطير النفط الخام في مصفاة الدقم. وتبلغ طاقة المصفاة 230 ألف برميل يوميا وستعمل إلى جانب مجمع لوى للصناعات البلاستيكية الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار، قرب مصافي النفط العمانية ومصفاة صحار التابعة لشركة النفط العمانية في منطقة الدقم الاقتصادية.

ويشمل الجزء الأخير من رؤية عمان لبناء شركة وطنية متكاملة للتكرير والبتروكيماويات خط أنابيب مسقط – صحار الذي يبلغ طوله 290 كيلومترا لنقل المنتجات المكررة. ويربط خط الأنابيب الذي تبلغ قيمته 336 مليون دولار مصافي ميناء الفحل وصحار بمنشأة توزيع وتخزين وسيطة في الجفنين.

ويتفرّع المشروع إلى ثلاثة أقسام، هي 45 كيلومترا بين ميناء الفحل ومحطة الجفنين، و220 كيلومترا بين محطتي صحار والجفنين، و25 كيلومترا بين محطة الجفنين ومطار مسقط الدولي. ويعدّ حيويا لمواصلة تسليم أكثر من 50 في المئة من وقود عُمان عبر منشأة تخزين متطورة في الجفنين.

العرب