تبريرات مصرية ضعيفة لتأخير خصخصة الشركات الحكومية

تبريرات مصرية ضعيفة لتأخير خصخصة الشركات الحكومية

القاهرة- قدمت الحكومة المصرية تفسيرات ضعيفة لتبرير تأخير بيع نحو 32 شركة أغلبها تابعة للجيش أعلنت مؤخرا عن طرحها للبيع لمستثمرين، وحاولت من خلالها امتصاص موجة انتقادات غربية شككت في قدرة القاهرة على الوفاء بالتزاماتها الإصلاحية مع صندوق النقد الدولي، وتأكيد أن البرنامج المصري يسير وفقا لما هو مخطط له.

وأثار غموض موقف صندوق النقد الدولي من تقديم شريحة ثانية بنحو 350 مليون دولار تستحق في مارس الماضي من قرض قيمته ثلاثة مليارات دولار، تكهنات بشأن عدم رضاء الصندوق عن الطريق الاقتصادي الذي تمضي فيه القاهرة بعد مراجعة قال إن خبراءه يقومون بها، ما أدى إلى عدم وصول الدفعة الثانية من القرض.

واستشف خبراء اقتصاد أن الحكومة المصرية أمامها شوط طويل لإقناع الصندوق بتقديم الشريحة الثانية لأن سياسات الحكومة لا تزال بعيدة عما تعهدت به، فالبنك المركزي المصري يتحفظ على القيام بتعويم جديد (رابع) لسعر الجنيه، ولم يتم استكمال خطوات رفع الدعم، كما أن هناك تعثرا في طرح شركات تابعة للجيش للبيع.

ولم تفلح الكثير من الخطوات التي قامت بها القاهرة في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والحصول على موارد جديدة من العملات الأجنبية، وخاب أملها في مشروع بيع أذون الخزانة والسندات، ويواجه فتح الباب أمام المستثمرين عراقيل متباينة.

وتواجه القاهرة متاعب كبيرة على صعيد الخطوات الاقتصادية التي تقوم بها وبرامج الحماية الاجتماعية المختلفة التي توفّرها لمساعدة الفقراء وتقليل تأثرهم بالزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات.

وما جعل الحكومة تتلكأ في تنفيذ بعض البنود في خطة الصندوق هو خوفها من ردات فعل مجتمعية غاضبة مع توالي ارتفاع الأسعار من دون زيادة كبير في دخول الموظفين والعمال، وعلى الرغم من العمل حثيثا على زيادة برامج الحماية، غير أن مستحقي الرعاية الحقيقيين يفوقون قدراتها الراهنة.

وابتعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن الحديث المعتاد حول الحالة الاقتصادية في البلاد، وظهر رئيس الحكومة مصطفى مدبولي السبت في جولة بعدد من المشروعات التنموية، وعقد مؤتمر صحفيا بعث من خلاله بمجموعة من الرسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية لمن يهمهم الأمر في الداخل والخارج.

وقال مدبولي إن بلاده لن تتراجع عن برنامجها لبيع أصول حكومية وستفي بالتزاماتها المالية، مرجعا التأخير في بيع حصص في شركات حكومية للحرص على الوصول إلى أفضل عائد من البيع.

وألمح مراقبون إلى أن تبرير التعطيل بالحصول على سعر مرتفع أشبه بإجراء يمكن أن يتبعه “صاحب دار أو محل وليس حكومة رشيدة تريد تحريك الاقتصاد”.

وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن العقدة الرئيسية تكمن في خصخصة عدد من شركات الجيش، فهناك تياران: أحدهما يرى التخلّي عن جزء منها لتجنب الصدام مع صندوق النقد الدولي وتشجيع رجال أعمال عرب على التوسع في استثماراتهم، والآخر يرى بعدم التفريط في هذه الثروة، لأن المقصود بها تقويض دور الجيش بشكل عام، وهو ما يعرّضه إلى هزات كثيرة تتعرض لها موازنة الدولة، ويصبح في النهاية أسيرا لصعودها وهبوطها، وهو أمر يجب أن تكون المؤسسة العسكرية بعيدة عنه.

وحاول مصطفى مدبولي تبديد المخاوف التي زادت في بعض أوساط المال والاقتصاد الخارجية المعنية بالاستثمار عبر تأكيده أن الحكومة تسير قدما في “برنامج الطروحات بقوة ولن نتراجع عنه”، وتسعى لتحقيق مبيعات بقيمة لا تقل عن ملياري دولار قبل نهاية يونيو القادم.

وذكر رئيس قسم التحليل الفني بشركة نعيم للوساطة في الأوراق المالية إبراهيم النمر في تصريح لـ”العرب” لا توجد مبررات مقنعة لتأخر خصخصة شركات الجيش لأن سوقًا مثل أبوظبي فاق في عدد الشركات التي تم طرحها العام الماضي ما قامت به بورصة مصر في سبعة أعوام.

ويعد الهدف الرئيسي من طرح شركات الجيش جذب سيولة أجنبية ومستثمرين جدد، لمعالجة شح العملة في البلاد وسد عجز ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة، وهذا يتطلب تشجيع القطاع الخاص وتحفيز جانب المنافسة.

◙ الحكومة المصرية أمامها شوط طويل لإقناع الصندوق بتقديم الشريحة الثانية لأن سياسات الحكومة لا تزال بعيدة عما تعهدت به

وأشار النمر إلى أن تحريك عجلة الاقتصاد يتطلب قرارات حاسمة من السلطات المصرية، وهذا يستوجب توفير الاقتصاد الحر للوصول إلى نمو حقيقي، وتعزيز الناتج القومي الإجمالي، وهذا يحدث من خلال وفرة الاستثمارات الخاصة.

ولفت في تصريحه لـ”العرب” إلى أن تأجيل خصخصة الشركات حتى الوصول إلى أسعار ملائمة لن يتحقق إلا بوجود اقتصاد كفء، وهذا لن يحدث حاليًا، بالتالي من الصعوبة الوصول إلى أسعار عادلة أو كما تراها الحكومة إلا مع تعافي الاقتصاد.

وتابع “تحقيق الحكومة لرغبتها السعرية يتطلب وجود اقتصاد يتمتع بمنافسة عادلة، وهذا سوف يستغرق وقتًا طويلاً مع استمرار الأوضاع الراهنة، وإلا على السلطات المصرية أن تبحث عن وسيلة أخرى لتدفق الدولار بخلاف بيع الشركات”.

وتوصلت القاهرة إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر الماضي يتضمن حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهرا، وتعهدت في حينه بتقليص مشاركة الحكومة والجيش في الاقتصاد والسماح بدور أكبر للقطاع الخاص.

وتحتاج مصر إلى إيرادات الخصخصة بعد سلسلة من الصدمات الاقتصادية، وتحدد تقدمها في الإصلاح الاقتصادي إذا كان بمقدورها الخروج من الأزمة المالية التي كشفت عنها الحرب الروسية – الأوكرانية ووضع أساس للنمو المستدام.

وشدد رئيس الوزراء المصري على طرح حصص في أكثر من عشر شركات مملوكة للجيش في إطار برنامج الخصخصة، وهي إشارة تشي أن القاهرة لن تتخلى عن تعهداتها السابقة مع الصندوق.

وأعلنت الحكومة سابقا عن خصخصة شركتي “وطنية” و”صافي” التابعتين لجهاز الخدمة الوطنية بالجيش، لكن عملية البيع تعثرت من دون تفسير أسباب ذلك بوضوح.

وكان من المفترض بدء برنامج الطروحات الحكومية وتخارج مصر من الشركات التابعة لها منذ الشروع في برنامج الإصلاح الاقتصادي نوفمبر 2016.

ولم تطرح السلطات المصرية أيّ شركة جديدة بسوق المال في الأعوام السبعة الماضية وتم بيع حصص من كيانات مدرجة بالفعل في البورصة، أبرزها “إيسترن كومباني” و”إي فاينانس”.

العرب