بالتوازي مع تحركها الضاغط لإنجاح الحل السياسي في ليبيا، تعمل واشنطن على وضع يدها على قطاع النفط في البلاد وسحب البساط من تحت أقدام تركيا التي لم تنجح في تحويل تفاهماتها السابقة مع فايز السراج أو عبدالحميد الدبيبة إلى مشاريع ميدانية.
طرابلس – القصور التي بنتها أنقرة على رمال ليبيا من أجل كسب إدارة إنتاج وتصدير النفط الليبي بدأت تنهار بعدما تمكنت اثنتان من كبرى الشركات الأميركية من إزاحتها عن الطريق، لتحظى بمكانة لم يسبق للولايات المتحدة أن حظيت بها في إدارة هذا القطاع الحيوي في البلاد منذ انقلاب العقيد الراحل معمر القذافي في العام 1969.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن صفقات تبلغ قيمتها الإجمالية 1.4 مليار دولار وقعتها المؤسسة الليبية للنفط مع شركتي “هاليبرتون” و”هانيويل إنترناشونال” الأميركيتين لتطوير حقل نفط ومصفاة تكرير. كما تعاقدت المؤسسة الليبية للنفط مع شركة “كيرني” الأميركية لتنفيذ خطة المؤسسة للعودة بليبيا إلى مصاف الدول الرئيسية المنتجة للطاقة في العالم.
وتشمل التعاقدات قيام “هاليبرتون” بتطوير حقل الظهر النفطي في محافظة سرت (وسط) بقيمة مليار دولار، بينما تقوم شركة “هانيويل” بتشييد مصفاة نفط في الجنوب الغربي بقيمة 400 مليون دولار.
وكانت تركيا قد سعت للسيطرة على العديد من مشاريع التنقيب والإنتاج والتطوير، بموجب مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في أكتوبر الماضي مع حكومة عبدالحميد الدبيبة، ولكنها واجهت انتقادات داخلية، واعتراضات أوروبية لشمولها تعديات على حقوق اليونان في منطقتها الاقتصادية قبالة السواحل الليبية. وذلك قبل أن تقضي محكمة استئناف طرابلس في 10 يناير الماضي بإيقاف تنفيذ المذكرة.
وقال المحامون الليبيون الذين تولوا الطعن بالمذكرة “إن الاتفاق السياسي الليبي يمنع حكومة الدبيبة من عقد أي اتفاقيات دولية” وأكدوا أن “الاتفاق الموقع مع تركيا سمي مذكرة تفاهم، لكنه اتفاق نفطي كامل وواسع النطاق”. كما ذكروا أن “الاتفاقية مخالفة لعدة بنود من قانون النفط، أبرزها عدم خبرة الشركات التركية في هذا المجال. وذلك فضلا عن تضمنها بنودا سرية مما يعد مخالفة لقانون ديوان المحاسبة”.
وكانت حكومة الدبيبة وقعت المذكرة بالاستناد إلى اتفاق “ترسيم حدود”، كان هو نفسه موضع جدل، وقعته حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج مع الحكومة التركية في العام 2019، وذلك في إطار التعاون الأمني الذي سمح لتركيا بالتدخل عسكريا لدعم حكومة طرابلس ومدها بالمرتزقة.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت تستطيع البدء بتنفيذ بعض جوانب مذكرة التفاهم منذ توقيعها، إلا أنها لم تنجح في توفير التمويلات اللازمة لها، وكانت بمثابة مناورة سياسية للفوز بموطئ قدم، من قبل أن تتوفر الإمكانيات لتحويلها إلى مشاريع عمل فعلية. وهو أمر أدى في النهاية إلى أن تتقدم الشركات الأميركية لتحتل الفراغ الذي لم تتمكن الشركات التركية من ملئه بالفعل.
وفي خضم الفشل التركي في تنفيذ بعض جوانب مذكرة التفاهم، فقد وجه رئيس مؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة في مارس الماضي خلال زيارة إلى واشنطن الدعوة إلى الشركات الأميركية للعمل في قطاع النفط والغاز الليبي، مشيدا بدعم واشنطن لمؤسسة النفط ومجلس إدارتها لتنفيذ إستراتيجيتها في بناء القدرات، ورفع إنتاج النفط والغاز.
وتشكل مصادر الطاقة الليبية عاملا مهما لإزالة المخاوف من نقص الإمدادات إلى أوروبا، وكذلك للتحوط من التحديات الضمنية التي تشكلها المزاجية الجزائرية في التعامل مع هذا الموضوع الحساس، بعدما كانت أول من يقرر قطع الإمدادات عن أوروبا لأسباب سياسية. واللافت أن بن قدارة يحظى بدعم طرفي الصراع في البلاد بسبب مهنيته واستقلاليته، الأمر الذي ساعد في رفع إنتاج البلاد إلى نحو 1.1 مليون برميل يوميا كمتوسط، ويطمح لزيادته إلى مليوني برميل يوميا.
◙ في خضم التردد التركي فتح بن قدارة خلال زيارته إلى واشنطن الباب أمام الشركات الأميركية للاستثمار في ليبيا
وكانت شركة “زلاف” إحدى شركات مؤسسة النفط الليبية، وقعت في مارس الماضي عقدًا مع شركة “هانيويل” لتنفيذ أعمال هندسية في مشروع “مصفاة الجنوب” بكلفة تتراوح بين 500 و600 مليون دولار. والمشروع سينفذ على مرحلتين، حيث سيتم تكرير 30 ألف برميل يوميا من النفط الخام لإنتاج غاز الطهي، ووقود الطائرات، ومنتجات أخرى بما في ذلك 1.4 مليون لتر من البنزين، و1.1 مليون لتر من الديزل يوميا.
وتقع مصفاة الجنوب في مدينة أوباري في الجنوب الغربي الليبي والتي تقطنها قبائل الطوارق، وتخضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، ويوجد بالقرب منها حقلا الشرارة والفيل النفطيين. أما حقل الظهرة، الذي تعرض لأعمال تخريب قام بها تنظيم داعش في العام 2015، فهو أول حقل منتج للنفط بكميات تجارية تكتشفه شركة “الواحة” إحدى فروع مؤسسة النفط الليبية، في أواخر الخمسينات، ويقع جنوب ميناء السدرة النفطي وشمال حقل زلة، مما جعله حلقة وصل تربط حقول الشركة الأخرى بميناء السدرة.
وكانت مؤسسة النفط قدمت عروضا لتنفيذ مشاريعها وحصلت على تقييمات مستقلة اتسمت بالشفافية قبل أن يتم اعتمادها مع الشركتين الأميركيتين، وذلك إلى جانب شركة “إسناد” للخدمات النفطية تم إنشاؤها في بنغازي. وتتوفر لهذه الشركات موارد كافية لتحقيق تطلعات المؤسسة لتحويل ليبيا إلى لاعب يتوقع أن يكون مورّدا رئيسيا لسوق الطاقة في أوروبا.
يذكر أن الشركات الأميركية كانت تسيطر على نحو 90 في المئة من قطاع النفط الليبي في العهد الملكي (1951-1969) قبل أن يؤمم القذافي القطاع في 1974، ما أدى إلى تقلص إنتاج حقول النفط الليبية، وتراجع الاستثمارات في القطاع.
العرب