الخرطوم – تحاول قوى مدنية سودانية عديدة رأت أن خطاب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) يدعم التحول الديمقراطي، البحث عن دور سياسي في صراعه الحالي مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ووجدت بعضها في الوقوف على مسافة واحدة بينهما حلا وسطا قد يمكن من تجسير الهوة بين الرجلين، إلا أن التذبذب الذي خيم على رؤيتها يقلل من حظوظها مستقبلا.
وإنحاز المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إلى حميدتي عندما وجدوه أكثر انفتاحا على المجتمع المدني ودعّم خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي.
بينما انحازت الكتلة الديمقراطية في قوى الحرية والتغيير إلى البرهان الذي يميل إلى تمديد أمد بقاء الجيش في السلطة لأطول فترة، ما تسبب في تشتت القوى المدنية وانقسامها إلى فريقين متنافسين، جعل البعض يحملونها جانبا من المأزق الراهن.
القوى المدنية تستند إلى دعم إقليمي ودولي يختزل الأزمة في ضرورة ابتعاد الجيش عن السلطة، وهو ما نادى به حميدتي
وبعد نشوب المعارك العسكرية في الخامس عشر من أبريل الماضي، حاولت الكثير من الأحزاب إعادة التموضع السياسي، خشية تثبيت اتهامات طالتها بأنها تقف في صف حميدتي وشجعته بصورة متباينة والدخول في صدام مع الجيش لكسر شوكته.
وتشعر الكثير من الأحزاب السودانية بأنها في موقف حرج جرّاء انحيازها لأحد الطرفين بعد أن وجدت قوى إقليمية ودولية تقف في منتصف الطريق بينهما، ما يعني عدم الرغبة في دعم أحد الطرفين على حساب الآخر.
وأصبحت القوى المدنية تدعم فكرة الحوار بين الرجلين لوقف إطلاق النار، والجلوس إلى طاولة مفاوضات تضع حدا لهذه الحرب، انتظارا لعودة العملية السياسية إلى مسارها.
وأكدت “الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية” المشكلة من قوى مدنية، السبت، أن تسمية الطرفين لممثلين لهما لبحث سبل إطلاق النار ووقف الاشتباكات المسلحة ستكون خطوة مهمة، لكنها تحتاج عمليا إلى ضمانات حقيقية بوقف العمليات الحربية وإيقاف توسع دائرتها.
وجاء تشكيل الجبهة، الخميس، ردا على خطاب عام “يجرم ويخون القوى المدنية والسياسية والمجتمعية السلمية الساعية إلى الديمقراطية وتحقيق السلام”، والذي اعتبرته “مضللا” ويغذي “الكراهية والاستهداف المستمر لقوى ثورة ديسمبر المجيدة التي تسعى إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي والتحول المدني”.
تشمل الجبهة المدنية لجان المقاومة وتنظيمات المجتمع المدني وأحزابا سياسية وحركات الكفاح المسلح ونقابات منتخبة وأجساما مهنية ولجانا وشخصيات عامة، وتريد الخروج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية، والإصلاح الأمني والعسكري، وبما يقود إلى جيش مهني موحد.
وتوعد الجيش بمحاسبة قوى سياسية بحجة توفيرها لغطاء سياسي لقائد قوات الدعم السريع، ما تسبب في جدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن جاء في خضم تحريض من قيادات في نظام الرئيس السابق عمر البشير، لقائد الجيش على محاسبة القوى المدنية.
وكان أبرز هذه الأصوات ما جاء في البيان الذي ألقاه القيادي بحزب المؤتمر الوطني المنحل أحمد هارون بعد فراره من سجن كوبر أخيرا، وأعلن فيه دعمه لقوات الجيش.
كما أجازت فتوى دينية للقيادي المتطرف عبدالحي يوسف، المقيم في تركيا، قتل قيادات في القوى المدنية انخرطت في العملية السياسية بذريعة انحيازها لحميدتي.
وتشير هذه المعطيات إلى دقة رؤية حميدتي التي حوت تحذيرات لافتة من فلول البشير وعناصر الحركة الإسلامية، والمخاطر التي يحملها تغلغلهم في الجيش، وأن هؤلاء من يقفون خلف تعطيل العملية السياسية، حيث يريدون القفز على السلطة.
جاءت هذه المسألة كعنصر مشترك بين قوى مدنية وحميدتي جعلتهما قريبين لقطع الطريق على أي انقلاب عسكري محتمل لصالح فلول البشير، ويرفضان مناورات البرهان في التقيد بأسس العملية السياسية، وهو ما جعله يصب غضبه عليهما.
وقال الجيش في بيان له، السبت، إن “ما جرى إحباطه خلال الأسبوعين الماضيين، كان محاولة فاشلة للاستيلاء على الحكم بقوة المتمردين تحت غطاء سياسي كامل”.
من المتوقع أن يؤدي تشتت القوى المدنية إلى زيادة متاعبها بعد أن تسكت المدافع، خاصة إذا أخفقت في توحيد جبهتها أو ظلت المناوشات داخلها مستمرة
كان البرهان وحميدتي انخرطا مع قوى سياسية في مفاوضات استهدفت تسليم السلطة إلى المدنيين، وجرى التوافق على الكثير من القضايا والتوقيع على الاتفاق النهائي في الأول من أبريل الماضي، ثم التأجيل إلى السادس منه تمهيدا لتشكيل حكومة مدنية في الحادي عشر منه، لكن خلافات الجنرالين أدت إلى صدام عسكري.
ومن المتوقع أن يؤدي تشتت القوى المدنية إلى زيادة متاعبها بعد أن تسكت المدافع، خاصة إذا أخفقت في توحيد جبهتها أو ظلت المناوشات داخلها مستمرة، ما يدفع شريحة من المواطنين إلى فقدان الثقة في قدرتها على الحكم عندما تنتقل السلطة إلى حكومة مدنية.
لكن مراقبين يرون أن ميل قوى مدنية للحياد الآن ومحاولة توفيق الأوضاع بين الجنرالين لتخفيف حدة ضغوط زادت مع ظهور قيادات في النظام السابق تحملها المسؤولية، لا يعني تخليا عن حميدتي، بقدر ما هو امتصاص لغضب شعبي سئم من التجاذبات السياسية في السودان، والتي يراها كثيرون سببا للأزمة الحالية.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الاحتفاظ بمسافة بين قائدي الجيش والدعم السريع مطلوب الآن، فقد يحتاج الوسطاء إلى مشاركة أحزاب عند جلوسهما للتفاوض معا، لأن جوهر الأزمة ينصب على تسليم السلطة من الجيش لحكومة مدنية.
تستند القوى المدنية إلى دعم إقليمي ودولي واضح يختزل الأزمة في ضرورة ابتعاد الجيش عن السلطة، وهو ما نادى به حميدتي، بصرف النظر عما إذا كان ذلك نابعا عن قناعة سياسية أم موقفا برغماتيا، ففي الحالتين كان مؤيدا للتغيير.
العرب