ربط الأزمة الاقتصادية بقيس سعيد: الطبوبي يتنصل من المسؤولية ويبرئ النهضة

ربط الأزمة الاقتصادية بقيس سعيد: الطبوبي يتنصل من المسؤولية ويبرئ النهضة

تونس- ربط نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس بالرئيس قيس سعيد بسبب ما أسماه “اختلال التوازن بين السلطات”، في إشارة إلى تجميع السلطات في يد الرئيس التونسي.

يأتي هذا في وقت ترى فيه أوساط سياسية تونسية أن الطبوبي يريد أن يوحي بأن الأزمة سياسية طارئة وليست أزمة معقدة وقديمة، في خطوة يظهر من خلالها تنصلا من مسؤولية الاتحاد عن إسهامه في بروز هذه الأزمة طيلة عشر سنوات، وذلك عبر الإضرابات والاعتصامات من جهة، ومن جهة أخرى برعايته للحوار الوطني والحكومات التي تشكلت من خلاله وشارك فيها الاتحاد بالدعم وتحصيل مناصب لكفاءات مقربة منه.

وقالت هذه الأوساط إن ربط الأزمة باختلال التوازن بين السلطات، أي ما بعد 25 يوليو 2021، فيه تبرئة واضحة لحركة النهضة الإسلامية من هذه الأزمة، وهو ما يتناقض مع تصريحات سابقة أدلى بها الطبوبي وقياديون نقابيون آخرون اتهموا فيها الحركة بإغراق المؤسسات بالموظفين والفشل في قيادة الدولة.

وقال الطبوبي “الأزمة احتدت بسبب اختلال التوازن بين السلطات ونتيجة التفرد بالرأي وفرض الأمر الواقع وتهميش القوى الوطنية والمجتمع المدني”. جاء ذلك ضمن خطاب ألقاه الطبوبي خلال تجمع عمالي في العاصمة تونس بمناسبة عيد العمال العالمي.

وكان الاتحاد قد أيد في البداية قرارات الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 لكنه اعترض عليها لاحقا لأن قيس سعيد رفض تشريك الاتحاد في السلطة وجعْله وصيا عليها من خلال القبول بمبادرته للحوار الوطني.

واعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أن “اتحاد الشغل قطع الطريق على إمكانية العودة إلى منظومة ما قبل 25 يوليو، ولم يجن أي مكسب بعد إجراءات الرئيس سعيد في ذلك التاريخ، بل كان يعتقد أنه سيكون -في غياب حزب وازن- العصا التي يتكئ عليها قيس سعيّد، لكنه وجد نفسه محرَجا من قرارات الرئيس”.

وقال ثابت في تصريح لـ”العرب” إن “الاتحاد لم يجد المقعد الذي يناسبه وتجنب المواجهة لأنه يعلم أن تمشّي الرئيس حاد”، مشيرا إلى أن “الاتحاد كان شريكا للرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وداعما لكل الحكومات المتعاقبة بعد 2011 وكان مرجع نظر لها أيضا”.

ويبحث اتحاد الشغل عن استعادة الوضع السابق الذي كان يحظى فيه بالاحترام من مختلف حكومات ما بعد 2011، وخاصة بسبب الخوف من الإضرابات والاعتصامات، والتصريحات شديدة اللهجة التي يدلي بها قياديّوه، والتي كانت تظهره حاكما فعليّا. وكانت تلك الحكومات تسترضيه بإعلان زيادات في الرواتب والعلاوات لموظفي القطاع العام بالرغم من أن ميزانية الدولة لا تتحمل مثل تلك الخطوة.

وأضاف ثابت “منطقيا، اتحاد الشغل أراد أن يكون بين الرئيس قيس سعيد من جهة وجبهة الخلاص المعارضة من جهة أخرى، والأصل في الأزمة الاقتصادية هو سوء الإدارة والتصرف بعد 2011، ومسؤولية حركة النهضة مركزية في ذلك”.

ويعتمد الاتحاد على الهجوم المستمر على السلطة السياسية لتحصيل مكاسبه وفرض حظوته، لكن قيس سعيد رفض هذا الأسلوب ودعا الاتحاد إلى الالتزام بدوره الاجتماعي القائم على التفاوض مع الحكومة لتحصيل مكاسب لمنخرطيه وترك السياسة للجهات المكلفة بها، ومن بينها البرلمان الجديد.

ويرى المراقبون أن اتحاد الشغل دأب على تحميل الآخرين مسؤولية الأزمات، لكنه لا يقدم حلولا أو أفكارا واقعية وإنما مبادرات لتثبيت وضعه كطرف سياسي في المشهد.

وفي أواخر ديسمبر الماضي أطلق اتحاد الشغل مبادرة “حوار وطني” مع عدد من مكونات المجتمع المدني للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

ويشارك الاتحاد في مبادرته كل من الهيئة الوطنية للمحامين، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان (مستقلة).

وفي السادس من أبريل الماضي علّق الرئيس سعيّد على مبادرة الحوار للاتحاد، خلال الزيارة التي قام بها إلى مدينة المنستير لإحياء الذكرى الـ23 لرحيل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، بالقول “لماذا انتخبنا برلمانا إذًا؟ وعمّ سنتحاور؟”، وأضاف قيس سعيّد أن “الحوار يجرى في البرلمان، وهي مهمة المشرّع المتمثلة في المصادقة على مشاريع القوانين”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة “اتحاد الشغل يغضّ الطرف عن تقييم العشرية الماضية لأنه كان عمودا فقريّا للحكم، وكان في قرطاج 1 وقرطاج 2 وحكومة التكنوقراط برئاسة المهدي جمعة، وبالتالي يتحمل جزءا من المسؤولية”.

وأضاف علاّلة “للأسف، النهضة وحلفاؤها تعاملوا مع الدولة بمنطق الغنيمة، الأمر الذي جعلهم الآن يخرجون من الحكم بهذه الطريقة المذلّة”.

وتعيش البلاد أزمة اقتصادية ومالية خانقة فشلت كل محاولات احتوائها بالإمكانيات الذاتية ودفعت الحكومة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار. وتعثر الاتفاق بسبب خلافات حول بنود لائحة الإصلاحات المطلوبة وأولها نظام الدعم.

ويعترض الاتحاد على هذه النقطة والخطط المعلنة بشأن إصلاح المؤسسات العمومية المتعثرة.

وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي الاثنين إن “غياب حوار السلطة مع الأطراف الاجتماعية لن يزيد سوى من حالة الانقسام التي يمر بها المجتمع التونسي”.

وأضاف الطبوبي أن “السلطة التنفيذية أدارت ظهرها لكل حوار جدي مع القوى الوطنية والاجتماعية والفاعلين الاقتصاديين حول سبل تجاوز الوضع من خلال رسم خيارات جدية وصياغة برامج تنموية من شأنها تصليب الوحدة الوطنية تجاه التحديات الداخلية والخارجية وإعادة البلاد إلى سكة النمو”.

وذكر أن استمرار غياب هذا الحوار “لن يزيد سوى من حالة الانقسام التي يمر بها مجتمعنا ومن اتساع الهوة بينه وبين الدولة ومؤسساتها، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى استفحال الأزمة الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد واتساع رقعة الفقر”.
وأردف أن “الأزمة السياسية التي تعيشها بلادنا تعمقت أكثر وازدادت حدتها جراء اختلال التوازن بين السلطات ونتيجة التفرد بالرأي وفرض الأمر الواقع، في تهميش للقوى الوطنية والمجتمع المدني”.

العرب