أنقرة- في ظل تزايد مؤشرات الغضب الشعبي ضد سياساته، لجا الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أٍدوغان إلى استدعاء أخير لما يعتبره أكثر من عشرين عاما من الاستثمار في المشاعر الدينية المحافظة للأتراك في مواجهة تصويت عقابي كبير ضده.
وقبل ساعات من الصمت الانتخابي، أطلق أردوغان سلسلة من الوعود المحلية والخارجية التي ينوي تحقيقها إذا أعيد انتخابه، في خطوة اعتبر أنها تبدو أقرب إلى التعلق بقشة النجاة خاصة في ظل الغضب ضد سياساته التي بنت أبراجا ومطارات ومسيّرات لكنها تركت الاتراك في وضع اقتصادي مزر وشبه إفلاس مالي للمواطن العادي.
وتتسع دائرة الميراث السلبي لأردوغان إلى عدة وجوه منها تضخم قياسي وتراجع لليرة من ليرة ونصف ليرة مقابل الدولار إلى عشرين ليرة مقابل الدولار وانقسام اجتماعي وعرقي وسجون مليئة بالمعتقلين وإعلام مقيد ومغامرات خارجية غير محسوبة.
ونقل موقع “تركيا الآن” السبت عن أردوغان قوله في تصريحات تلفزيونية “بعد فوزي مباشرة، سأزور الدول الصديقة مثل أذربيجان وقبرص التركية وبعض دول الخليج”.
وأضاف “سأعمل على تسريع عملية إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال”، وأكد أن تكلفة الزلزال على اقتصاد تركيا تزيد على 100 مليار دولار.
وعشية انتخابات حاسمة لتركيا ومستقبلها، يعمل الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان على حشد مؤيديه في جميع أنحاء إسطنبول طوال يوم السبت الذي اختتمه بالصلاة في آيا صوفيا، الكاتدرائية التي أعاد تحويلها إلى مسجد.
وفي هذه الكاتدرائية البيزنطية الوردية العائدة إلى القرن الرابع والتي أعاد فتحها للصلاة في 2020، اختتم أردوغان حملة خاضها على وقع إهانات وتهديدات تكاد تكون صريحة، صاغها هو ومن حوله، ضد خصمه الديمقراطي الاجتماعي كمال قليجدار أوغلو.
وأمام حشد من مؤيديه تباهى السبت بإعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد بقوله “الغرب كله أصيب بالجنون! لكنّني فعلت ذلك”.
والجمعة، وعد أردوغان البالغ من العمر 69 عاما ونجح في الفوز عبر صناديق الاقتراع منذ 2003، باحترام نتيجة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي دُعي للمشاركة فيها 64 مليون ناخب، ولكن ليس من دون أن يصف أيّ سؤال حول هذه النقطة بأنه “غبي تمامًا”.
وقال أردوغان وقد بدا عليه الغضب خلال مقابلة تلفزيونية بُثت مساء على معظم قنوات الدولة “جئنا إلى السلطة بالوسائل الديمقراطية، بتأييد من شعبنا: إذا اتخذت أمتنا قرارًا مختلفًا، فسنفعل ما تتطلّبه الديمقراطية. لا يوجد شيء آخر نفعله”.
ولكن، ما زال الخوف من الانزلاق نحو العنف قائمًا في المدن الكبرى بعد سلسلة من الحوادث في المرحلة الأخيرة من حملة شديدة الاستقطاب، مما اضطُر خصمه إلى ارتداء سترة واقية من الرصاص تحت بدلته خلال تجمعاته الأخيرة.
وتعرضت حافلة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الشخصية البارزة في حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي ديمقراطي) بقيادة قليجدار أوغلو، وهو أحد الوجوه القوية في حملته الانتخابية، للرشق بالحجارة الأحد في أرضروم بشرق الأناضول.
واختتم كمال قليجدار أوغلو الذي عاد إلى أنقرة، حملته السبت بزيارة رمزية إلى ضريح مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة والعلمانية.
أما أكرم إمام أوغلو المهدد بعقوبة السجن التي استأنفها فالتقى مؤيدي الحزب السبت خلال أربعة اجتماعات عامة في العاصمة الاقتصادية التي يديرها منذ عام 2019.
وخلافا للسلطة الاستبدادية التي يتولاها “رجل واحد”، وتندد بها المعارضة، يقترح قليجدار أوغلو البالغ من العمر 74 عاما في حال فوزه قيادة جماعية تتمثل بتعيين نواب للرئيس يمثلون أحزاب الائتلاف الستة التي يقودها، من اليمين القومي إلى اليسار الليبرالي.
وقال الجمعة خلال آخر اجتماع كبير له بين لمعان البرق وهدير الرعد في أنقرة “هل أنتم مستعدون للديمقراطية في هذا البلد؟ لإحلال السلام في هذا البلد؟ أنا عن نفسي مستعد، أعدكم بذلك”.
و”أعدكم” هو شعار حملته واللازمة التي يُرددها أنصاره في أناشيد الحملة، ويعد من خلاله بالعودة إلى دولة القانون والنظام البرلماني وفصل السلطات وإطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين والقضاة ورجال القانون والمثقفين والعسكريين والموظفين المسجونين بتهمة “الإرهاب” أو “إهانة الرئيس”.
والانحراف الاستبدادي الذي شهده العقد الماضي واشتد منذ الانقلاب الفاشل في عام 2016 والاقتصاد المتعثر مع انخفاض قيمة الليرة التركية بمقدار النصف خلال عامين وزيادة التضخم حتى 40 في المئة على مدار عام واحد وفقًا للأرقام الرسمية التي لا تحظى بالإجماع، من الأمور التي أضرت بمصداقية رئيس الدولة وشعبيته فيما يروّج للإنجازات العظيمة والتنمية الحقيقية التي حققها خلال حكمه منذ عام 2003.
لكن أردوغان أقر بصعوبة جذب الشباب الذين سيصوت أكثر من 5.2 مليون منهم لأول مرة الأحد.
فضلاً عن ذلك، لا يُعرف مدى تأثير الزلزال القوي الذي دمر الربع الجنوبي من البلاد وأسفر عمّا لا يقل عن 50 ألف قتيل و3 ملايين مفقود. ففي أنطاكية القديمة المدمرة، يسافر الناس أحيانًا بالحافلة لساعات عائدين للتصويت في المدارس المدمرة أو في حاويات حُوّلت إلى مراكز اقتراع.
وقالت ديلبر سيمسك (48 عاما) التي تعيش تحت خيمة السبت “لا يبعث التصويت وسط الأنقاض على الارتياح، لكننا نريد تغيير الحكم”. وأضافت “انظروا، لقد مرت ثلاثة أشهر ولم يتغير شيء”.
العرب