تونس- عزت أوساط سياسية تونسية الحكم على رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي بالسجن مدةَ سنة إلى أن السلطات التونسية وجدت أن الغنوشي وحركة النهضة باتا في حالة من العزلة الداخلية والخارجية، وأن لا شيء يمنع معاملة رئيس حركة النهضة كغيره من بقية الموقوفين الذين تعلقت بهم قضايا مختلفة يتولى القضاء البت فيها دون ضغوط ولا استعجال.
وقالت الأوساط السياسية التونسية إن السلطات التونسية لمست الوضع الهزيل الذي وصلت إليه النهضة محليا وإقليميا قبل توقيف الغنوشي وبعده، وأن احترازاتها في التعامل معه شخصيا لم يعد لها أي مبرر ولهذا تركت للقضاء مهمة أن يعالج التهم الموجهة إليه، ومن بينها تمجيد الإرهاب، أسوة بآخرين.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الغنوشي يتم التعامل معه حاليا كأي متهم تتعلق به قضايا سيتم البت فيها بالحكم له أو عليه دون تدخل سياسي، لا من السلطة التونسية ولا من أيّ جهة خارجية تفكر في الضغط على القضاء تحت عناوين فضفاضة.
وبعد إجراءات 25 يوليو 2021 خسرت حركة النهضة وضعها كحركة نافذة في السلطة ومؤسسات الدولية، وهو ما جعل بعض القوى والشخصيات تنأى بنفسها عن الحركة، كما تخلى عنها من كانوا يتقربون إليها من أجل مصالحهم، وفقدت تحالفاتها التقليدية.
وامتدت العزلة الداخلية لحركة النهضة خارجيّا أيضا بعد أن تخلّى عنها الكثير من الداعمين لها سياسيا وإعلاميا. ومن المتوقع أن تتسع دائرة العزلة أكثر على خلفية الوضع الصعب الذي يعيشه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حليف الحركة المعلن.
ويعتقد محللون سياسيون أن عزلة النهضة والغنوشي مفهومة، وأن الأمر مرتبط بتطورات إقليمية ودولية أفضت إلى بروز خطاب المصالحات إقليميا والسعي لتجاوز أسباب الخلافات السابقة وعلى رأسها الإسلام السياسي.
واعتبر أيمن العلوي، القيادي في حزب الديمقراطيين الموحّد، أن “مشروع الإسلام السياسي الذي أعطي له الضوء الأخضر في العشرية الماضية للهيمنة على المشهد السياسي، يشهد تراجعا كبيرا في الفترة الأخيرة لعدة اعتبارات إقليمية ودولية”.
وقال العلوي في تصريح لـ”العرب” إن “الوزن السياسي للغنوشي تراجع بشكل كبير، وحركة النهضة أصبحت هامشية على المستوى السياسي وفقدت مكانتها في المشهد”.
◙ السلطات التونسية لمست الوضع الهزيل الذي وصلت إليه النهضة محليا وإقليميا قبل توقيف الغنوشي وبعده
وقضت محكمة تونسية الاثنين بالسجن عاما وبغرامة مالية قدرها ألف دينار (حوالي 300 يورو) بحق رئيس حركة النهضة الموقوف منذ نحو شهر.
والقضية التي اتهم فيها الغنوشي (81 عاما) تتصل بـ”تمجيد الإرهاب” وبوصف عناصر الأمن بأنهم “طواغيت”.
وفي 21 فبراير الفائت مثل الغنوشي أمام القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في دعوى مقامة ضدّه وتتّهمه بوصف الشرطيين بـ”الطواغيت”. وظل في حالة سراح على ذمة التحقيق.
وقبل نحو شهر أوقفت قوات أمنية الغنوشي في تونس العاصمة بعدما حذر من “إعاقة فكرية وأيديولوجية في تونس تؤسّس للحرب الأهلية” في حال القضاء على الأحزاب اليسارية أو تلك المنبثقة من التيار الإسلامي مثل النهضة، ما اعتبرته السلطات بمثابة حضّ على الحرب الأهلية.
وقال عبدالرزاق الخلولي، رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو، إن محاكمة الغنوشي ينبغي لها أن تتم في إطار مبدأ “لا إفلات من العقاب”، وإن “مسار القضاء أصبح مستقلا وله اتجاه واضح وهو إتمام عدد من المحاكمات”.
وأضاف الخلولي في تصريح لـ”العرب” أن “تأثير حركة النهضة، ومن ورائها الغنوشي، تراجع كثيرا. وهذه المحاكمة تعلن فعليا نهاية الغنوشي سياسيا، بعد أن انتهى في أذهان الشعب التونسي وعبّر الكثير عن عدم قبولهم له في المشهد منذ فترة”.
ويقبع زعيم المعارضة الغنوشي في السجن منذ أبريل الماضي بعد أن قبضت عليه الشرطة في بيته بشبهة التآمر على أمن الدولة.
وقرر الغنوشي هذا الشهر عدم المثول أمام القضاء مرة أخرى، رافضا ما وصفه بأنه “محاكمات سياسية ملفقة”.
ويقول محامو الغنوشي إن الاتهام استند إلى شكوى من نقابي في الشرطة بشأن خطاب ألقاه العام الماضي في تأبين قيادي بالحزب قال فيه إن الفقيد “لا يخشى حاكما أو طاغوتا، إنه يخشى الله فقط”.
وألقت الشرطة في وقت سابق هذا العام القبض على عدة شخصيات سياسية بارزة اتهمت قيس سعيد بالانقلاب بسبب تحركاته التي شملت حل البرلمان والحكم بمراسيم قبل إعادة صياغة دستور جديد.
ولم يصدر القضاء إلى حد اليوم بشكل رسمي التهم الموجهة إليهم، لكن الرئيس سعيّد يقول إن خطواته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من الفوضى وعقد من “الخراب”، واصفا خصومه بالمجرمين والخونة والإرهابيين، وحث السلطات على اتخاذ إجراءات ضدهم.
وحظرت السلطات التونسية الشهر الماضي الاجتماعات في جميع مكاتب النهضة وأغلقت الشرطة أيضا مقر جبهة الخلاص، وهي تحالف المعارضة الرئيسي.
وندد حزب النهضة في تونس الثلاثاء بالحكم الذي يقضي بسجن الغنوشي مدة عام واعتبر أنه يأتي في إطار “محاكمات سياسية”.
وقال الحزب في بيان إنه “يندّد بالحكم الصادر في حق الأستاذ راشد الغنوشي ويعتبره حكما سياسيا ظالما، ويدعو إلى إطلاق سراحه فورا”.
العرب