الرياض- تثير أسباب الفجوة بين الكلفة الزهيدة لاستخراج النفط ودخْل أرامكو الصافي تساؤلات مهمة تجعل مستقبل الشركة السعودية أكثر إثارة للقلق.
ولا يبدو من المنطقي توصيف صافي دخل أرامكو للربع الأول من العام الجاري، والبالغ 119.54 مليار ريال سعودي (31.88 مليار دولار)، بأنه سيء. ولكن هذا التوصيف يجوز إذا تمت مقارنة العائدات بتاريخ الشركة.
ولن يكون الانخفاض بنسبة 19 في المئة في صافي الدخل هو ما يُقلق مراقبي سوق النفط، حيث يمكن تفسير ذلك جزئيا بانخفاض الأسعار خلال الربع الأول من العام الجاري. لكن ما يقلق هو أن الدخل يعود إلى الشركة الرائدة التي يديرها ثالث أكبر بلد منتج للنفط الخام في العالم والتي تحتكر جل حقوله النفطية.
◙ إمكانية مرور مشروع قانون “منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط” قد يكون نهاية أرامكو بشكلها الحالي
وتسبب الغموض الذي يحيط بأرقام أرامكو في عدم سماح البورصات الغربية الكبرى بإدراج أسهم الشركة فيها، رغم أن هذا الإدراج كان من نقاط الجذب الرئيسية التي اعتمدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حين طرح فكرة تعويم جزء من الشركة العملاقة.
لكن نظرة أعمق إلى أرامكو تثير أسئلة أكثر من الإجابات التي توفّرت للمستثمرين الغربيين، خاصة ما تعلق بالطاقة الاحتياطية التي تتباهى بها المملكة، والتي تقول إنها تبلغ حوالي مليونيْ برميل في اليوم.
ويقول المحلل الاقتصادي سايمون واتكينز إن ما يثير القلق هو أن المملكة لا تقدم أرقاما دقيقة بشأن احتياطياتها النفطية، مشيرا إلى أن احتياطي النفط الخام الرسمي في السعودية زاد في الفترة الممتدة من 1990 إلى 2017 بمقدار 98.5 مليار برميل، رغم عدم تسجيل اكتشافات نفطية جديدة واستخراج 80.43 مليار برميل من الطاقة غير المتجددة.
ويضيف واتكينز في مقال لموقع أويل برايس الأميركي أن المستثمرين الغربيين قلقون من أن عائدات أرامكو تُعتمد لبعث مجموعة متنوعة من المشاريع الأخرى غير الهيدروكربونية التي حلم بها ولي العهد السعودي، مشيرا إلى تمويل العديد من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية، مثل تأسيس جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست).
واعتبر واتكينز في مقاله أن المخاوف السيادية الأوسع بشأن المملكة قادت إلى تعزيز مخاطر الاكتتاب العام لشركة أرامكو.
وبهذا لم تتمكن السعودية من جذب اهتمام المستثمرين الغربيين في الاكتتاب العام لشركة أرامكو، مما مهد الطريق للبحث عن بدائل. وكان أحد هذه البدائل من الصين، وقد كان بمثابة خطوة داعمة لخطط ولي العهد السعودي، وهو ما قد يكون أحد الأسباب المباشرة التي عززت تحوّل المملكة نحو الصين.
وقادت هذه الخطوة إلى تسريع تحرك المملكة بعيدا عن الولايات المتحدة والاقتراب أكثر إلى روسيا التي كانت تزداد قوة منذ نهاية حرب أسعار النفط الثانية في 2016، مع ما حملته هذه الخطوة من توترات لاحقة مع واشنطن، والتي بلغت ذروتها بعد قرار تحالف أوبك+ تخفيض إنتاج النفط.
ولم تفلح الضغوط الأميركية في تغيير موقف السعودية وأوبك+، وهو ما دفع الأميركيين إلى اتهام الرياض بأنها تساهم في تمويل الحرب الروسية على أوكرانيا، وإعلانهم أن واشنطن لن تسكت عن ذلك.
ويرى واتكينز أنه مع العداء المتزايد بين الولايات المتحدة والسعودية، والذي يحدد جزئيا النظام العالمي الجديد لسوق النفط، فإن إمكانية مرور مشروع قانون “منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط” المعروف اختصارا باسم “نوبك” قد يكون نهاية أرامكو بشكلها الحالي.
ويفتح نوبك الطريق أمام مقاضاة الحكومات التي تتعمد خرق الامتثال لقوانين مكافحة الاحتكار الأميركية.
وطالما أن أوبك+ كارتل لكبار المنتجين تتزعمه السعودية، وأرامكو هي شركة النفط الرئيسية في المملكة، فإن هذا يعني أن التداول في جميع منتجات أرامكو السعودية (بما في ذلك النفط) قد يخضع لقانون مكافحة الاحتكار، مما يعني حظر المبيعات بالدولار.
وقد يعني ذلك أيضا، وفق واتكينز، تفكك أرامكو في نهاية المطاف إلى شركات أصغر غير قادرة على التأثير على سعر النفط.
العرب