حاول الرئيس أردوغان إعادة تشكيل تركيا على صورته، كمحافظ اجتماعياً، وإسلامياً سياسياً، وشرق أوسطياً، مع الهدف النهائي المتمثل في إحياء مكانة البلاد كقوة عظمى.
خلال مئات السنين، سيطرت الإمبراطورية العثمانية على بلدان ومساحات كثيرة، تُمثل حالياً حوالي 50 دولة ذات سيادة. ومع ذلك، فابتداءً من القرن الثامن عشر، دخلت الإمبراطورية التي كانت قوية سابقاً، في حالة تدهور ثابتة وطويلة الأمد. وبدأت أجيال من السلاطين العثمانيين بصورة تدريجية في استيعاب نقاط ضعف دولتهم مقارنة بأوروبا، من خلال اقتباسهم المؤسسات والقوانين والتقاليد من القوى العظمى في أوروبا من أجل إحياء العظمة العثمانية.
وقد عزز مصطفى كمال أتاتورك، الذي أسس تركيا الحديثة في عام 1923 بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، هذا النموذج من خلال إعادة تشكيل الدولة على صورته كمجتمع علماني أوروبي يواجه الغرب. ومن خلال تقليده الأوروبيين في فن الحكم – وهم الذين كانوا القوى العالمية في حقبة ما بين الحربين – كان أتاتورك يهدف إلى وضع تركيا على مسار من شأنه أن يحيي مكانة البلاد كدولة عظمى في النهاية.
وهنا يأتي دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي حاول منذ عام 2003 إعادة تشكيل البلاد على صورته كمحافظ اجتماعياً، وإسلامياً سياسياً، وشرق أوسطياً. ويتمثل هدفه النهائي في إحياء مكانة تركيا كقوة عظمى. ومع ذلك، فإن سعيه لتحقيق العظمة لتركيا ليس بالأمر غير المعتاد. فمن نواح كثيرة، يتماشى ذلك مع السياسات الطويلة الأمد التي شكلت القادة السابقين للبلاد، بدءً من آخر السلاطين العثمانيين وإلى كمال أتاتورك.
لكن مسار أردوغان مختلف عن سابقيه. فبينما شمل الآخرون تركيا تحت نفوذ الغرب واستعانوا بنسخة أوروبا لاستعادة النفوذ العالمي للبلاد، اختار أردوغان نموذجاً غير تقليدي، يهدف إلى جعل تركيا كقوة عظمى قائمة بذاتها، في الشرق الأوسط أولاً، ثم على الصعيد العالمي.
وفي النهاية، فإن تركيا هي دولة أوروبية وشرق أوسطية، وأعتقد أنها ستستقر في النهاية في مكانة بين رؤى أتاتورك وأردوغان، وتتبنى هوياتها غير الحصرية: الأوروبية والشرق أوسطية، العلمانية والإسلامية، الغرب والشرق.
معهد واشنطن