طهران- بعد 24 عاما على إطلاقه فاجأ رئيس المجلس التنفيذي لصندوق التنمية الوطني الإيراني مهدي غضنفري الرأي العام الإيراني بإعلانه انخفاض رصيد الصندوق إلى 10 مليارات دولار، مما أثار قلق الأوساط الإيرانية بشأن مستقبل مدخرات البلاد السيادية.
وأوضح غضنفري أن مدخرات صندوق التنمية الوطني بلغت 150 مليار دولار، لكن الحكومات المتعاقبة سحبت نحو 100 مليار دولار منها حتى الآن، إلى جانب تقديم الصندوق قروضا وتسهيلات للقطاع الخاص بمبلغ 40 مليار دولار.
وكان الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي قد أطلق لأول مرة صندوق الادخار القومي في عام 1999 لجمع فائض مبيعات البلاد من النفط بغية تحرير الاقتصاد من الاعتماد على العوائد النفطية، لكن خليفته محمود أحمدي نجاد حل الصندوق عام 2010 وحل صندوق التنمية الوطني محله، وأقر إيداع 20% من مبيعات النفط في الصندوق المستقل عن ميزانية الحكومة.
ديون للمستقبل
ولطالما شكل الاختلاف في تقدير أرصدة صندوق التنمية الإيراني عاملا جدليا في البلاد، وتفاعلت الأوساط الإيرانية على نطاق واسع مع تصريحات غضنفري، منتقدة انعدام الشفافية في موارد الصندوق ونفقاته، ومحذرة من نفاد مدخراته بشكل نهائي.
في غضون ذلك، انتقد رئيس منظمة التفتيش العام الإيراني ذبيح الله خدائيان “تحويل صندوق التنمية الوطني إلى صندوق لديون الأجيال المقبلة”، موضحا أن تذبذب أسعار البترول يؤثر مباشرة على الاقتصادات النفطية، لأن عوائد النفط تشكل الجزء الأساس من مواردها من العملة الصعبة.
وفي كلمته خلال افتتاحية الملتقى الثالث للحوكمة الحديثة في صندوق التنمية الوطني الأحد الماضي، شدد خدائيان على أن أحد أبرز أهداف إطلاق الصندوق المساعدة في إعمار البلد وتحويل الموارد إلى ثروة منتجة، مؤكدا ضرورة ضمان الثروة الوطنية وإيصالها إلى الأجيال المقبلة.
من ناحيته، أوضح عضو لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان الإيراني محمد رضا ميرتاج الديني أن ثلثي التسهيلات الائتمانية التي يقدمها صندوق التنمية الوطني يتم صرفها في أمور لا تمت بصلة للأهداف المرجوة منه، منتقدا في تصريحات صحفية تحويل الصندوق إلى خزانة ثانية للحكومة.
أسباب الانخفاض
من جهته، انتقد عالم الاقتصاد الإيراني حسين راغفر انعدام الشفافية في حجم مدخرات صندوق التنمية الوطني وكيفية إنفاقها، وقال إن انخفاض رصيد الصندوق يعود إلى انحرافه عن الأهداف التي شكل من أجل تحقيقها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح راغفر أن فلسفة تشكيل الصندوق جاءت لادخار فائض مبيعات النفط وإنقاذ الاقتصاد في السنوات التي تتراجع فيها موارد البلاد من العملة الصعبة، وعدّد أبرز أسباب تراجع رصيد الصندوق خلال العقد الماضي وفق التالي:
ارتفاع نفقات البلاد الخارجية بسبب الحروب التي تفرض على الدول والحركات المتحالفة مع طهران.
تراجع حجم عوائد البلاد بسبب الضغوط الأجنبية.
عدم التخطيط الجيد لاستثمار مدخرات الصندوق في الإنتاج بدلا من تخصيص أرصدة كبيرة لاستيراد سلع غير ضرورية.
استحواذ بعض الجهات المتنفذة على قروض بالعملة الصعبة وعدم إعادتها إلى الصندوق أو إعادة المبالغ بالعملة الوطنية وذلك بعد سنوات حيث لا تتناسب والمبلغ السابق بسبب التضخم المستفحل في البلاد.
تحويل الصندوق إلى آلة لسد عجز الموازنة السنوية وتوفير الأموال اللازمة لاستيراد ما تحتاجه الطبقة الارستقراطية.
ولفت الأكاديمي الإيراني إلى أنه منذ تشكيل صندوق التنمية الوطني لا يتم إيداع سوى جزء قليل من الموارد النفطية التي من المفترض أن تخصص للصندوق، مطالبا بوضع جميع موارد البلاد من العملة الصعبة في الصندوق ثم تخصيصها بشفافية وجعلها استثمارات منتجة للأجيال المقبلة.
وخلص راغفر إلى أن صندوق التنمية الوطني الإيراني فشل في تحقيق الأهداف التي أطلق من أجلها وتحول إلى مجموعة فارغة قد لا يتأثر الاقتصاد كثيرا في حال حلها، وفق تعبيره.
تأثير محتمل
وبعد مرور أكثر من 3 أعوام على عقوبات أميركية استهدفت صندوق التنمية الوطني في إيران وقطع ارتباطه بالنظام المالي الأميركي يحذر مراقبون إيرانيون من أن الكشف عن حقيقة الثروة السيادية سيزيد الضغوط الأجنبية ويحفز الجهات الخارجية على تأجيل الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج.
من ناحيته، يعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة طهران عباس علي أبو نوري “ضياع ثروة الأجيال المقبلة وبلوغها مستويات متدنية جدا” مؤشرا على وجود مشكلة حقيقية في الاقتصاد الوطني قد تكون السبب الأساس وراء العديد من الإخفاقات الأخرى.
وفي مقال نشره في صحيفة “تعادل” الناطقة بالفارسية، اعتبر أبو نوري أن اعتماد الاقتصاد الوطني على الموارد النفطية سلبه فرصة التنمية الحقيقية، موضحا أن بلاده أخفقت في استثمار مواردها النفطية في الإنتاج والقطاعات الصناعية والتقنية، لأنها عملت على إنفاق مدخرات الصندوق على الواردات وتسديد رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين ومكافأة المسؤولين، علی حد قوله.
المصدر : الجزيرة