إسطنبول – بعد عقدين في السلطة، بدا الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان مهددا بتداعيات الأزمة الاقتصادية واستئثاره بالسلطة، لكن “الريس” تصدّر نتائج الدورة الأولى لثالث انتخابات رئاسية يخوضها خلافا لكل التوقعات.
في أنقرة ومن على شرفة مقر حزبه العدالة والتنمية أمام حشد من المناصرين المتحمسين مساء الدورة الأولى من الانتخابات، أعطى الرئيس إشارة واضحة لبلاده: رسالة استقرار.
خلافا لعامي 2014 و2018 لم يفز بالمعركة من الدورة الأولى، لكنه يدخل الدورة الثانية الأحد 28 أيار/مايو من موقع قوة بحصوله على 49.5 في المئة من الأصوات مقابل 45 في المئة لمنافسه مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو.
لا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية لعام 2016 نجحت في وقف صعود “الريّس” كما يحلو لمؤيديه تسميته. لكنه هذه السنة يواجه انتقادات شديدة بسبب وضع الاقتصاد التركي وغضب الناجين من زلزال 6 شباط/فبراير المدمر الذين تركوا لمواجهة مصيرهم في الأيام الأولى التي تلت الكارثة. لكن نتائج الدورة الأولى أثبتت أن هذا المسلم المتدين المنادي بالقيم العائلية، لا يزال بطل الأغلبية المحافظة التي طالما ازدرتها النخبة المدنية والعلمانية.
أحدث أردوغان تحولا عميقا في تركيا من خلال مشاريع بنى تحتية ضخمة تضمنت بناء طرقات سريعة ومطارات ومساجد، وسياسة خارجية منفتحة على شرق آسيا ووسطها على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين الذين حاول التقرب منهم إثر وصوله إلى السلطة.
رغم النفور الغربي تجاهه، سمحت له الحرب في أوكرانيا بالعودة إلى صدارة المشهد الدبلوماسي بفضل جهود الوساطة التي قام بها بين كييف وموسكو – مع تعطيله منذ نحو عام دخول السويد إلى حلف شمال الأطلسي. لكن معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، ولاسيما بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في تموز/ يوليو 2016 والتعديلات الدستورية عام 2017 التي وسعت صلاحياته.
غالبا ما يصور أردوغان في الغرب على أنه سلطان متمسك بالعرش، لكن الرجل الذي يحن إلى الإمبراطورية العثمانية والذي شيّد قصرا يضم أكثر من ألف غرفة في أنقرة، يواصل تقديم نفسه بصفته رجلا من الشعب في مواجهة “النخب”.
وقد كرس صورته تلك بفوزه في كل الانتخابات منذ تولى حزبه العدالة والتنمية السلطة في العام 2002. لكنه تعرض مع ذلك إلى هزات سياسية خصوصا عندما حرمته المعارضة العام 2015 من غالبيته البرلمانية، ثم من رئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول العام 2019.
ورغم تباطؤ حركته في بعض الأحيان، لا يزال رجب طيب أردوغان قادرا على عقد ثمانية اجتماعات في يوم واحد، ويستعرض قدراته الخطابية مستشهدا بقصائد قومية وآيات قرآنية لإثارة الحشود.
ولد أردوغان في حي قاسم باشا الشعبي في إسطنبول وكان يتطلع إلى احتراف رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل الانتقال إلى العمل السياسي. وتعلم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الإسلامي الذي كان يقوده نجم الدين أربكان، ثم دفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية إسطنبول في 1994.
في 1998، حكم عليه بالسجن مع النفاذ بعدما أنشد قصيدة دينية، في حادث ساهم في تعزيز موقعه. وسنحت له الفرصة للانتقام عند فوز حزب العدالة والتنمية الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيسا للحكومة وبقي في هذا المنصب حتى 2014 عندما أصبح أول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع العام المباشر.
ويبقى أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، في نظر أنصاره الوحيد القادر على “التصدي” للغرب وقيادة السفينة عبر الأزمات الإقليمية والدولية. لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة والتي قمعت بعنف في ربيع 2013، أصبح أردوغان الشخصية التي تواجه أكبر الانتقادات في تركيا.
وواجه الرئيس أشد اختبار ليل 15 إلى 16 تموز/يوليو 2016، خلال محاولة انقلابية دامية. وقد طبعت في الأذهان صورة أردوغان شاحب الوجه، وهو يطلق نداء إلى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال، ثم بعد ذلك وصوله مظفرا إلى مطار أتاتورك القديم في إسطنبول عند الفجر معلنا هزيمة الانقلابيين.
إذا أعيد انتخابه في 28 أيار/مايو، بعد عشر سنوات على حركة الاحتجاجات الواسعة جيزي التي قمعها بشدة، فإن قبضته على البلاد ستترسخ بشكل إضافي رغم استياء معارضيه.
العرب