الرئاسيات التركية بين المعطيات الفعلية والأماني المشتهاة

الرئاسيات التركية بين المعطيات الفعلية والأماني المشتهاة

جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية، التي ستجري يوم 28 أيار/ مايو الجاري، تشهد على صعيد يومي تطورات نوعية ترسم بوضوح متزايد ميزان القوى بين الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، كما تفصح أكثر فأكثر عن طبيعة الرهانات التي ستواجهها تركيا ما بعد الرئاسيات، على أصعدة داخلية وخارجية تشمل السياسة والاقتصاد والموقع الجيو ـ سياسي فضلاً عن التباينات العقائدية والثقافية.
ولعل التطور الأول اللافت هو قرار المرشح الرئاسي السابق سنان أوغلو بدعم أردوغان في جولة الإعادة، لسبب أول هو أن المعارضة «لم تستطع أن تقنعنا ولم تتمكن من الحصول على أغلبية البرلمان» ومن زاوية عملية هي أن الرئيس المقبل يتوجب أن يضمن التوافق مع البرلمان. أهمية هذا الانحياز المعلن لا تقتصر على حقيقة أن أوغان حصل خلال الجولة الأولى على 5.17٪ من الأصوات وقد يكون العامل الأرجح وراء انتقال الرئاسيات إلى جولة إعادة للمرة الأولى منذ 100 سنة، بل تمتد أيضاً إلى خصوصية تأثير الشرائح السياسية والاجتماعية التي يمثلها في المشهد المزدحم للتيارات القومية التركية.
تطور آخر لافت هو استقالة 11 عضواً من مجلس مؤسسي حزب «المستقبل» بقيادة أحمد داود أوغلو الذي ترأس في الماضي حزب «العدالة والتنمية» خلفاً لاردوغان كما شغل منصب وزير الخارجية ورئيس الحكومة خلال رئاسة اردوغان، والمنضوي اليوم في صف التحالف السداسي المعارض والداعم لترشيح كليتشدار أوغلو. أسباب الاستقالة المعلنة هي «ابتعاد الحزب عن مبادئه التأسيسية» كما قال بيان الأعضاء المستقيلين، وكذلك صمت قيادة الحزب عن «الخطابات والدعوات المطالبة بترحيل اللاجئين السوريين، والسقوط الأخلاقي لدى الساسة العنصريين في تحالف الأمة».
وإذا لم تنعكس هذه الاستقالة على صناديق الاقتراع فتبدّل هذا المقدار أو ذاك من توجهات أعضاء حزب «المستقبل» فإن القيمة المعنوية والإيديولوجية لهذا التطور لم تتأخر في التبلور على مستوى السجالات المشحونة التي تشهدها الحملات الانتخابية، خاصة وأن خطابات مرشح المعارضة صارت تتصف بنبرة عنصرية صريحة وبغيضة ضد اللاجئين، مقابل افتقار جلي إلى برامج إصلاح عملية ملموسة وقادرة على منافسة حصيلة حكم اردوغان و«العدالة والتنمية».
ولا يصح أن تُغفل في هذه السياقات أهمية تركيز الرئيس الحالي على الصناعات العسكرية التركية خاصة في ميادين تكنولوجيا الطائرات المسيرة وحاملاتها، حتى صار مألوفاً أن يتندر أتراك كثر حول الفارق بين تفاخر أردوغان بمسيّرة بيرقدار المتطورة الشهيرة عالمياً خلال تفقده معامل تصنيعها، مقابل ظهور منافسه في المطبخ متشكياً من ارتفاع سعر البصل.
وبصرف النظر عن الاختلاف مع سياسات اردوغان و«العدالة والتنمية» في ميادين عديدة، فإنه ليس من دون تأثير مباشر على مزاج الناخب التركي أن العديد من وسائل الإعلام الغربية التي شاركت في حملات شيطنة اردوغان قبيل الجولة الأولى وتنبأت بهزيمته، تراجعت سريعاً بعد ظهور النتائج واعترفت بفشل المعارضة ونظرت بموضوعية أكثر إلى المعطيات الواقعية خلف شعبية الرئيس الحالي وحقائق الانتخابات الفعلية وليس المتخيلة أو المشتهاة.

القدس العربي