يَضْمن خفض التصعيد الذي تنتهجه كل من الإمارات والسعودية في عدد من الملفات الإقليمية كبح خروج الصراعات عن السيطرة، لكنه لا يقدم أية حلول جذرية لأزمات عدد من الدول، في مقدمتها سوريا واليمن والسودان.
لندن – تبدو نتائج مساعي احتواء الصراعات في الشرق الوسط أقرب إلى التبريد منها إلى التصفير، حيث لا تزال ساحات المعارك نشطة رغم سعي الخصوم إلى تسوية الخلافات على أكثر من واجهة وخاصة في الملف السوري.
وبذلت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية جهودا لإخراج الرئيس السوري بشار الأسد من عزلته وإبعاد سوريا عن إيران ومعالجة تداعيات حربه على السلطة التي استمرت لأكثر من عقد.
وبالإضافة إلى فرض الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على سوريا، كان الأسد أيضا منبوذا في العالم العربي بعد أن علّقت الجامعة العربية المكونة من 22 عضوا عضوية بلاده ردا على سلوكه في الحرب. وشارك الأسد في القمة العربية التي عقدت الجمعة في جدة، وحظي باستقبال لافت.
وتأمل الإمارات والسعودية أن تكون المشاركة أكثر جدوى بعد فشل العقوبات والعزلة الدولية في الإطاحة بالأسد أو إجباره على تعديل سياساته.
ولم يمنع الانفتاح على الأسد الإمارات من مواصلة تحركاتها لتبريد الأزمة في سوريا عبر قنوات أخرى حتى لا يبدو أن الهدف هو خدمة الأسد وليس السعي لحل الأزمة السورية بكل تداعياتها.
وتشير تسريبات إلى أن مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، سافر الشهر الماضي إلى أبوظبي لطلب مساعدة الإمارات في التفاوض على اتفاق مع حكومة الأسد.
ويُذكر أن قوات سوريا الديمقراطية لعبت دورا مهما في مساعدة الولايات المتحدة على إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا.
ورافق عبدي زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني. والاتحاد هو من الفصيلين المتنافسين الرئيسيين في كردستان العراق صحبة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود بارزاني.
وأكد المسؤولون الإماراتيون زيارة عبدي لكنهم نفوا التقارير التي تفيد بأنه التقى بمستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
وقال المحلل الأميركي المهتم بالشرق الأوسط جيمس دورسي إن الإمارات تبقى قلقة من سيناريو يؤدي فيه المزيد من الانخراط مع الأكراد إلى توتر العلاقات مع الأسد.
وجاءت زيارة عبدي بعد أيام من استهدافه بطائرة تركية دون طيار أثناء سفره في شمال سوريا مع ثلاثة عسكريين أميركيين في قافلة تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني.
ورأى المسؤولون الأكراد في هجوم الطائرة دون طيار والحظر التركي على الرحلات الجوية من السليمانية في كردستان العراق، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، تحذيرا تركيًّا من أي أدوار خارجية خادمة للأكراد.
وقالت تركيا إن مجالها الجوي مغلق بسبب زيادة نشاط حزب العمال الكردستاني المحظور في السليمانية. وتؤكد أن قوات سوريا الديمقراطية بقيادة عبدي هي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني.
ويشن حزب العمال الكردستاني حربا متقطعة منذ عقود لانتزاع حقوق أكبر للأكراد في تركيا.
واندرج الهجوم على عبدي ضمن حملة تركية بطائرات دون طيار تهدف إلى إضعاف وتدمير الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا وشرقها. وكان يهدف كذلك إلى تسهيل عودة حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري من تركيا، التي تستضيف أكبر مجتمع للاجئين السوريين في العالم.
مواقف أردوغان والتحركات الروسية والإماراتية تشير إلى أن تحسين العلاقات بين الدول المتنافسة لم يحقق الكثير حتى الآن لحل المشاكل في المنطقة
ووصل الآلاف من عناصر القوات التركية إلى شمال سوريا لدعم الحملة.
ومن المحتمل أن يكون الهجوم هو ما عزز قلق عبدي مع عدم يقينه بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه الأكراد، خاصة أن التقارب المحتمل بين تركيا وسوريا قد يتضمن انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، واستعادة سيطرة الأسد على المناطق الكردية، وهو ما يمكن أن يفقد الأكراد فرصة تحقيق أهدافهم.
لكن الإدارة الكردية تستمر في تواصلها مع حكومة الأسد منذ 2019 حين أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في البداية أنها تسحب القوات الأميركية من سوريا، متخلية عن قوات سوريا الديمقراطية والأكراد قبل أن تراجع ترامب عن قراره لاحقا بسبب ضغوط الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس.
وردا على ذلك سمح الأكراد للقوات السورية بالانتشار على طول الحدود مع تركيا لردع هجوم عسكري تركي في إطار صفقة توسطت فيها روسيا.
وطالب الأسد بعودة الأوضاع التي كانت سائدة في شمال سوريا قبل اندلاع الحرب الأهلية والتوغلات التركية كشرط للتقارب بين أنقرة ودمشق.
ومن المرجح أن تكون مخاوف عبدي قد تضاعفت حين انضم وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والأردن ومصر والعراق إلى نظيرهم السوري للمطالبة باستعادة سيادة حكومة الأسد على كامل سوريا وإنهاء عمليات الجماعات المسلحة والتنظيمات المتشددة، وجميع القوات الأجنبية في سوريا. ثم لاحقا بعد حضور الأسد لقمة جدة والحفاوة الظاهرة التي استقبل بها.
وبحسب دورسي يمكن أن يسهّل اتفاق بوساطة إماراتية بين الأكراد والأسد الانسحاب التركي من سوريا وإعادة تأهيل الرئيس السوري.
وسهلت روسيا المحادثات بين كبار المسؤولين الأتراك والسوريين والإيرانيين لتحقيق هذا الهدف. لكن المسؤولين اختلفوا حول شروط لقاء الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
وكان الأسد قد جعل الاجتماع مشروطا باستعداد تركيا لسحب جيشها من شمال سوريا واستعادة الوضع الذي كان سائدا قبل الحرب السورية.
ويبدو هذا أمرا غير مرجح في الوقت الحالي.
وصوّر أردوغان، خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو، الأكراد كقوة فاصلة لتمهيد الطريق لانقلاب قضائي محتمل إذا فشل في إعادة انتخابه. وقال في إشارة إلى قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل العراقية والدعم الكردي لمعارضيه الذين حققوا نتائج جيدة في استطلاعات الرأي “إن أمتي لن تسلم هذا البلد أبدا إلى شخص يصبح رئيسا بدعم من قنديل”.
وتشير مواقف أردوغان والتحركات الروسية والإماراتية إلى أن تحسين العلاقات بين الدول المتنافسة لم يحقق الكثير حتى الآن لحل المشاكل في المنطقة.
وينطبق نفس الأمر على السعودية وإيران ومصر، التي تناور في مناطق الصراع مثل ليبيا والسودان وسوريا واليمن والعراق.
واتخذت الصراعات والمنافسات شكلا مختلفا. وتُبرز المناورات مخاطر خوض الحروب بالوكالة بدعم الجهات الفاعلة المسلحة، مثل الجماعات الكردية المختلفة والحوثيين في اليمن.
وتمتد المخاطر من تقليص الصراع إلى تحييد الوكلاء الذين يمارسون نفوذهم ويضعفون مؤسسات الدولة.
ومن المحتمل أن يكون الأسد أكثر عزما على إخراج القوات التركية من سوريا واستعادة سيطرته على الأكراد منذ زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق قبل ثلاثة أسابيع، وهي أول زيارة لرئيس دولة إيراني منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2011. ودعمت إيران (مثل روسيا) الأسد طوال حربه.
واختار رئيسي دمشق بدلا من السعي إلى تعميق التقارب الإيراني – السعودي بوساطة الصين وتلبية دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى زيارة المملكة.
وعلى خلفية التقارب العربي الذي ينظر إليه على أنه انتصار لإيران وروسيا الداعمين للأسد، كان رئيسي يأمل في تقوية علاقات طهران مع دمشق من خلال توثيق التعاون الاقتصادي. ورافقه وزراء الخارجية والدفاع والنفط والنقل والاتصالات.
وفي نفس الوقت تتضاءل آمال أن يؤدي خفض التصعيد الإيراني – السعودي إلى تسهيل إنهاء حرب اليمن. ومن المرجح أن تؤدي المحادثات بين السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يسيطرون على شمال البلاد والعاصمة صنعاء، إلى وقف إطلاق نار أطول.
بعد ثماني سنوات من التدخل في اليمن، تريد الرياض مخرجا من حرب مكلفة فشلت في إنهاء نفوذ الحوثيين
وانطلقت المحادثات قبل مدة طويلة من توسط الصين في اتفاق في مارس لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران.
وتريد الرياض، بعد ثماني سنوات من التدخل في اليمن، مخرجا من حرب مكلفة فشلت في إنهاء نفوذ الحوثيين، وأضعفت موقفها التفاوضي.
وحدد الحوثيون جدولا زمنيا للانسحاب غير المشروط للقوات الأجنبية ضمن شروط وقف إطلاق النار الدائم.
لكن وقف إطلاق النار قد لا يوقف الدعم الإماراتي للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي في جنوب اليمن.
وتبرز الحرب الأهلية في السودان من جهتها مخاطر دعم الجهات الحكومية المنشقة وغير الحكومية.
وأبرز الأكراد والإيرانيون والسودانيون أن مبدأ “مات الملك، عاش الملك” ينطبق على خفض التصعيد في الشرق الأوسط.
ويرى دورسي أن خفض التصعيد قد يؤدي إلى تخفيف حدة التوترات والمساعدة على إدارة النزاعات لضمان عدم خروجها عن نطاق السيطرة، لكنه لا يقدم أي حل ويترك الجروح المفتوحة تتوسع.
العرب