دعم رمزي لمصر في القمة العربية يثير حفيظة إثيوبيا

دعم رمزي لمصر في القمة العربية يثير حفيظة إثيوبيا

القاهرة- أدى دعم معنوي قدمته القمة العربية في جدة لمصر والسودان بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي إلى عودة التراشق اللفظي بين أديس أبابا والقاهرة؛ فقد خشيت الأولى أن يتحول الدعم الرمزي في بيان القمة الختامي إلى دعم مادي من خلال ممارسة بعض الدول الخليجية -التي تحتفظ بعلاقات اقتصادية جيدة مع إثيوبيا- ضغوطا على أديس أبابا أو تقوّض دور الاتحاد الأفريقي في رعاية الأزمة.

وحاولت إثيوبيا قلب الطاولة على مصر وتأكيدها أنها التزمت بما نص عليه اتفاق المبادئ في مشروع سد النهضة، وتعاونت مع القاهرة والخرطوم، بغرض نزع ما يمكن أن يحدث من تشويش إقليمي على المشروع يعيده إلى المربع الأول، في وقت تستعد فيه لتدشين مرحلة الملء الرابع المنتظرة بعد أسابيع قليلة.

وباغتت مصر إثيوبيا برد قاس في الأعراف الدبلوماسية، كأنها تريد أن تخرج ملف سد النهضة من جمود اعتراه مؤخرا، زادت ملامحه إثر اندلاع الحرب في السودان.

ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية الأربعاء بيان وزارة الخارجية الإثيوبية، تعقيبًا على قرار القمة العربية الذي يقضي بدعم موقف مصر والسودان في قضية السد، بأنه “مضلل ومليء بالمغالطات وليّ الحقائق، ومحاولة يائسة للوقيعة بين الدول العربية والأفريقية من خلال تصوير الدعم العربي لموقف مصر العادل والمسؤول باعتباره خلافاً عربيّا – أفريقيا”.

وقالت الخارجية الإثيوبية الاثنين إنها “تلقت بامتعاض” قرارا صدر عن القمة، “كرر الخطاب العدائي المصري” المتعلق بسد النهضة، واعتبرته “إهانة” للاتحاد الأفريقي الذي يعمل على التوصل إلى “حل تفاوضي ودي” لقضية السد و”يتعارض مع التاريخ العزيز والمشترك لشعوب أفريقيا والعالم العربي”.

ورفضت القاهرة ما قالته أديس أبابا من أن بعض الدول العربية حذرت خلال القمة من محاولات مصر لتصعيد الأمر، مؤكدة أن القرار العربي صدر بالإجماع.

وأقرّ أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي لـ”العرب” بأن “أديس أبابا هاجمت من قبل تأييد الجامعة العربية للحقوق المصرية والسودانية منذ حوالي عام ونصف العام، وما شجعها على توجيه انتقادات في ذلك الوقت هو أن السودان طالب بعدم ذكره في البيان، وأعلن الصومال رفضه لموقف الجامعة بعد مرور أيام على صدوره”.

وأوضح أن البيان الإثيوبي الجديد جاء في غير محله، لأن الجامعة لا تؤيد قرارات أحادية تصر عليها أديس أبابا وتضر بمصالح الدول الأعضاء فيها، ومناقشة ملف سد النهضة في الجامعة العربية لا تتعارض مع قرارات الاتحاد الأفريقي أو أي منظمة أخرى.

وتمت مناقشة الملف في مجلس الأمن مرتين، وطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن تمت إعادته إلى الاتحاد الأفريقي كجهة إقليمية مناسبة لمناقشته.

وذكر شراقي أن الوصول إلى اتفاق مُلزم بين الدول الثلاث مطلب محسوم لمصر، لكن من الصعب أن يتم قبل بدء الملء الرابع، وأن سد النهضة أمامه عامان آخران إلى حين اكتمال البناء والتشغيل تماما.

وتبدو هذه فترة كافية للتوصّل إلى تفاهمات، غير أن المشكلة تكمن في عدم وجود طرف يستطيع إقناع الدول الثلاث بوجوب الجلوس إلى طاولة المفاوضات ودعم مساعي إنجاحها.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قال في تصريحات إعلامية قبل القمة العربية إن بلاده “لن تتوجه إلى مجلس الأمن بشأن ملف سد النهضة، وإنها ستحمي أمنها المائي.. وإن التعنت الإثيوبي حال دون الوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة، وإن القيادة والمؤسسات المصرية قادرتان على التعامل مع الأمر واتخاذ إجراءات تحمي المواطن والأمن المائي المصري”.

وفُهمت هذه التصريحات على أنها رسالة تهديد مبطنة إلى إثيوبيا وأن مصر يمكن أن تلجأ إلى أدوات خشنة لحل الأزمة بعد فقدان الثقة بالمجتمع الدولي الذي لم يناصرها.

لكنّ شكري عاد لاحقا، وخفف من وقع تصريحاته وما أحدثته من تفسيرات متضاربة، موضحا أن كلامه حول عدم اللجوء مرة أخرى إلى مجلس الأمن كان “مرتبطا بالملء الرابع للسد، وكان الرد وقتها بأنها لن تلجأ في هذه الحالة، لكن هذا لا يمنع اللجوء مرة أخرى وفق ظروف واعتبارات أخرى”.

وأعلنت إثيوبيا في أغسطس الماضي أنها أكملت المرحلة الثالثة من ملء خزان السد الضخم الذي تشيده على نهر النيل الأزرق، مؤكدة الشروع في توليد الكهرباء من السد.

وكشفت صور حديثة التقطتها أقمار صناعية عن وجود انخفاض في مستوى بحيرة سد النهضة بنحو 10 أمتار، وتفريغ كميات من المياه تقدّر بنحو 7 مليارات متر مكعب، مع توقع أن تقوم الحكومة الإثيوبية بالترفيع في الممر الأوسط للسد استعدادا للتخزين الرابع.

وحذر خبراء مصريون في مجال المياه من أن تستغل إثيوبيا انشغال الحكومة السودانية بالحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، للانتهاء من مرحلة الملء الرابع للسد التي تمثل أخطر مراحل الملء.

ومن المخطط له أن تقوم أديس أبابا بتخزين 30 مليار متر مكعب من المياه في المرحلة الرابعة للملء، وهو ما يمكن أن يحدث تأثيرا سلبيا ملموسا على كمية المياه الواردة إلى مصر، على عكس المرات السابقة التي لم يظهر فيها التأثير بشكل مباشر.

وقالت أستاذة العلوم السياسية في كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة هبة البشبيشي إن البيان الإثيوبي تأثر بتراجع الدور الأفريقي في حل أزمة السودان، ودخول السعودية على خط الوساطة (مع الولايات المتحدة) بدعم عربي أزعج إثيوبيا كدولة مقر للاتحاد، ما يشكل خسارة لدبلوماسية أديس أبابا التي كانت تعوّل على قيام الاتحاد الأفريقي برعاية حل الصراع في السودان، ما يخدم موقفها في أزمة سد النهضة.

ولفتت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “بيان إثيوبيا استهدف كسب تعاطف الدول الأفريقية والعزف على وتر إثارة الجدل الأفريقي مع الجانب العربي، كما أن حل الأزمة السودانية بشكل سريع ليس في صالح إثيوبيا التي تريد تمرير الملء الرابع من دون الدخول في جولة تفاوضية تسبق فيضان نهر النيل”.

وحاولت إثيوبيا تبرير توقف المفاوضات بشأن سد النهضة باندلاع الحرب في السودان وما جرته من حالة عدم استقرار في دولة هي طرف رئيسي في الأزمة، وذلك بهدف إلقاء اللوم على غياب الخرطوم وتحميلها مسؤولية وقف المحادثات، ومنع مصر من الحديث عنها.

العرب