السياسة العراقية بين الفشل والانفصام

السياسة العراقية بين الفشل والانفصام

hqdefault
لا غرو في أن تحولات وأشكال الإدارة السياسية في العراق قد شهدت اوضاعاً متناقضة ومتضاربة في الرؤى والتصرفات، وأفرزت وقائع غريبة وأشكال عجيبة لتصرفات سياسية أغرب من الغرابة وأعجب من العجب.
وعجائب وغرائب وجوه تحولات ومواقف السياسة العراقية تحت حكم الأحزاب الطائفية التعبانة تثير الأسى والتعجب، وتستحضر كل عوامل المفاجأة ، فرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي ووزارة خارجيته العتيدة تفرجوا كالأيتام على مأدبة اللئام وهم يتابعون تدفق واختراق أكثر من نصف مليون عنصر حرسي إيراني وأفغاني تحت ستار الزيارة الدينية لحدود العراق بشكل فظ، ولم يبادروا للاحتجاج ولا للتصرف الطبيعي ردا على ذلك الخرق الفظيع لبقايا السيادة المثلومة المزعومة، بينما انتفضوا كمن لسعه عقرب ضد ما أسموه اختراق تركي للسيادة العراقية، رغم أنه لم يكن في الأمر أي اختراق حقيقي، فكل شيء تم بعلم وترتيب مع الحكومة العراقية، وكل التفاهمات التي أجراها الجانب التركي الرسمي مع الجانب الحكومي العراقي قد تمت تحت الشمس وبأجواء علنية ووفق مقاربات معروفة، فالقوة العسكرية التركية في قضاء بعشيقة القريب من الموصل كانت لحماية قوة تدريب لعناصر عسكرية عراقية وليست دخيلة، ولكن أجواء التحسب والرعب والانهيار في صفوف القيادة العراقية المنهكة، وسطوة الميليشيات الطائفية المسيرة إيرانيا قد حتمت على الحكومة العراقية أسلوب التهويل والصراخ والعويل ومحاولة صرف الأنظار عن فضيحة اختراق سيادي حقيقي وليس مجرد وهم يلعلعون به ويحاولون صرف الأنظار عن مآسي الواقع السياسي العراقي المتردي.
حكومة العراق صمتت عن أبشع اختراق سيادي مدعوم بأجندة فرض متغيرات ديموغرافية وطائفية في مدن العراق السنية خصوصا عبر تجنيس مئات الآلاف من الإيرانيين والأفغان بتواطؤ مفضوح من وزارة الداخلية العراقية التي يهيمن عليها بالكامل الحرس الثوري الإيراني من خلال وزيرها القيادي في الحرس الثوري، المقاتل القديم في صفوفه المدعو محمد سالم الغبان، كما أن الديبلوماسية العراقية التي شربت حليب السباع أمام الأتراك لم تتحرك أو تبنس ببنت شفة ضد التصريحات العدوانية الفظة والمدمرة لأسس السيادة العراقية التي أطلقها أحد جنرالات الجيش الإيراني المدعو عطاء الله صالحي الذي أنكر حق العراق في فرض الفيزا والتأشيرة على الزوار الإيرانيين للعراق بدعوى التبعية التاريخية للعراق لإيران، وهو كلام خطير يمثل حالة إرهاب واضحة لم تتحرك مشاعر وزير الخارجية العراقي التابع لإيران أصلا لرفضه واستنكاره والرد عليه، وهو أيضا رئيس التحالف الطائفي الحاكم إبراهيم الجعفري، المشغول بالتنظير والفلسفة الفارغة والذي حول السياسة الخارجية العراقية لمهزلة حقيقية في دولة ونظام إختلطت فيها كل عوامل الفوضى مع عدم الكفاءة مع التدخلات الخارجية، والإيرانية خصوصا، التي همشت بالكامل الديبلوماسية العراقية وجعلتها في دولة الفشل العراقية الخالدة مجرد أطلال هائمة.
تحركات الديبلوماسية العراقية اليوم تعبر أصدق تعبير عن حالة رثة من الإنفصام الفكري والسلوكي وحتى الأخلاقي، فهم يناقشون أخطار وتحديات وهمية، فيما يعملون حثيثا للمضي قدما في تدمير العراق من الداخل وتكسيحه بالكامل، وهاهي وزارة الداخلية العراقية بدأت بتنفيذ المخطط المرسوم في طهران وباشرت بتجنيس آلاف الإيرانيين والأفغان المتدفقين للعراق بدعوى أصولهم العراقية في لعبة مكشوفة ووقحة صمتت أمامها الديبلوماسية العراقية، وتلاشت هيبة الدولة وسطوتها، وتراجع صوت رئيس الحكومة لدرجة الخرس!، الديبلوماسية العراقية هي اليوم وجه بشع حقيقي يعكس حالة الإنهيار البشعة التي تعيشها الدولة وهي تئن تحت مشاريع التقسيم الطائفي والاحلال والاستبدال الديموغرافي بعد أن تم تحويل العراق قلعة الشرق سابقا لكيان منخور هش وضعيف حطمت مناعته الداخلية فايروسات الطائفية والمناطقية والعشائرية الرثة!، بل تحول لفضيحة إقليمية ولمستوطنة فشل بقياداته الطائفية الرثة التي جعلته بلدا مستباحا أمام غزوات بشرية تهدد بتداعياتها الأمن الإقليمي بأسره بعد أن تحولت السيادة الوطنية لخرقة بالية يتمسح بها أهل الولاء الخارجي الذين حولهم زمن الغفلة والأخطاء في العراق لقادة وحكام يسيرون بالعراق بكل جدارة للصعود إلى الهاوية.

داود البصري
صحيفة السياسة الكويتية