تناول تقرير بحثي صدر عن مركز أبحاث Observer Research Foundation، بعنوان «الهند وجيرانها شرقا: فرص التعاون دون- الإقليمي»، أهمية وأوجه القصور في تجربة الشراكة الاقتصادية لرابطة دول جنوب أسيا للتعاون الإقليمي SAARC، طارحا نظرية مفادها، إمكانية تحقيق الطفرة الاقتصادية المنشودة في جنوب آسيا، عبر مستوى أكثر محدودية من التعاون بين دولها فيما يعرف بالتعاون الــــ «دون- إقليمي» Sub-Regional Cooperation كسبيل يمهد لتفعيل التكامل على النطاق الأوسع بين دول المنطقة. ويرجح ذلك النمط التنموي كخيار أمثل أمام دولة مثل الهند، بما يحقق أهدافها الاقتصادية والجيو- سياسية بالمنطقة. وترشح الهند لتولي دور قيادي في دفع جهود التعاون الــ « دون – إقليمية» في جنوب آسيا.
يطرح التقرير، رابطة BBIN، التي انطلقت عام 2013 وتجمع دول: بنجلاديش، وبوتان، ونيبال، والهند، كنموذج على التعاون الــ « دون – إقليمي» الذي خرج من عباءة SAARC، فتفوق على الأخيرة في الفعالية والإنجاز.
مقدمة عن رابطة SAARC
يعتبر اقتصاد دول جنوب آسيا، الأسرع نموا على مستوى العالم، وتأتي اقتصاديات SAARC ( أفغانستان، وبنجلاديش، وبوتان، والهند، وجزر المالديف، ونيبال، وباكستان، وسريلانكا) في المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة والصين، من حيث حجم إجمالي الناتج القومي.
رشح التقرير الصادر عن البنك الدولي لمنطقة جنوب أسيا، أن يسجل النمو الاقتصادي للمنطقة ارتفاعا خلال السنوات القليلة المقبلة ليسجل ما بين 7% للعام 2015 الحالي، و7.6% للعام 2017. وأرجع البنك الدولي توقعاته الإيجابية بالنسبة للنمو في المنطقة إلى عاملين هما الزيادة في حجم الاستثمارات وارتفاع معدلات الاستهلاك للثقة في الأداء الاقتصادي. وتشكل SAARC نسبة 21% من إجمالي تعداد سكان العالم بحوالي 1.7 مليار نسمة. تشكل الهند بالطبع، عنصر مهيمن سواء من حيث تعدادها السكاني أو امتدادها الجغرافي.
يقابل هذه المؤشرات الإيجابية، تباطؤ في عملية التكامل التجاري والاقتصادي بين دول SAARC، حيث أن معدلات التبادل التجاري على الصعيد الإقليمي بين دول جنوب أسيا، تعد الأدنى دوليا. وقد تم إبرام اتفاقية منطقة التجارة الحرة لدول جنوب آسيا SAFTA، بهدف تحرير وتنشيط التبادل التجاري بين دول المنطقة. ومهدت الاتفاقية التي أعلنت عام 2004، لإنشاء اتحاد جمركي، وسوق مشترك، وبالتالي اتحاد اقتصادي بين دول المنطقة، لكن لم تحقق هذه التحركات تأثيرا فعليا. استدعى ذلك التباطؤ، السعي في مسار التعاون الــــ «دون– إقليمي»، والذي نال دعما من قبل الميثاق المؤسس لرباطة SAARC. فيقر الميثاق في بنده السابع بإمكانية « قيام اللجنة الدائمة للرابطة بتشكيل لجان عمل لتولي مشروعات بين أكثر من أثنين من أعضاء الرابطة وإن لم تشمل جميع الأعضاء.»
يتبنى التقرير رؤية الهند حول حتمية عملية التكامل الإقليمي، مشيرا إلى تصريح رئيس الوزراء، ناريندا مودي خلال القمة الـــــ 18 لرابطة SAARC، حول أن عملية التكامل في جنوب آسيا ستمضي قدما، « عبر SAARC، أو خارجها، وبين جميع دول المنطقة أو بين بعض هذه الدول».
ضرورات التعاون « دون- الإقليمي»
يرجع التقرير أهم الضرورات وراء سياسة التعاون « دون- الإقليمي»، إلى التحول الذي بدأ في القرن العشرين، نحو الإقليمية والتعاون متعدد الأقطاب، إثر تغيير النظام العالمي وظهور تحديات جديدة ملحة من بينها ظواهر الإرهاب، والأزمات الاقتصادية ذات الطابع الإقليمي والدولي، ما استلزم التخلي عن المقاربة الفردية أو حتى الثنائية للتعامل من جانب الدول، ووضع أطر للتحالف والتعاون الدولي والإقليمي. ساهم ذلك وقتها، في بروز تحالفات وتجمعات مثل الاتحاد الأوروبي EU، ومجلس التعاون الخليجي GCC، ورابطة دول جنوب شرق أسيا ASEAN.
جاء التحول الثاني خلال السنوات الأخيرة ، بالاتجاه نحو التعاون « دون- الإقليمي» بين جانب من الدول المؤلفة للتحالفات الإقليمية الكبرى، ومن ضمنها أشكال التعاون القائم بين دول إندونيسيا، وسنغافورة، وماليزيا، المنبثقة عن رابطة ASEAN، وكذلك مجموعة BIMP، المؤلفة من دول إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وبروناي، ويختصر التقرير أسباب الإخفاق في عملية التكامل الإقليمي الفعال لدول رابطة SAARC، في عاملين أساسيين:
1- الخلافات الثنائية بين بعض الدول الأعضاء نالت من فرص الاتفاق على الصعيد الإقليمي، كما في مثال عدم إتمام اتفاقيات خط السكك الحديدية الإقليمي الرابط بين جنوب آسيا ومناطق جنوب شرق آسيا، ومشروع تحرير النقل وحركة الأفراد، واللاتي طرحهما الجانب الهندي قبل سنوات. وحال الاعتراض الباكستاني دون تمريرهما خلال قمة SAARC التي عقدت في نوفمبر 2014.
2- مخاوف الهيمنة، ترجع إلى عوامل جغرافية، وسياسية، وأثنية، واقتصادية، والتي بدورها خلقت حالة حساسية لدى الدول الأصغر، إزاء الهيمنة المحتملة للهند بما تملكه من موارد ونفوذ سياسي واقتصادي على الرابطة، وإمكانية لعبها دور منفرد في صياغة توجهاتها، وتمرير قراراتها.
تأتي استراتيجية التعاون « دون– الإقليمي» كسبيل لتجاوز هذه العراقيل والحساسيات، فمثلا اتفاقية تحرير النقل وحركة الأفراد التي لم تبرم في قمة SAARC الأخيرة ، تم تمرير أغلب بنودها في إطار اتفاقية جرى توقيعها في 16 يونيو 2015 بين دول مجموعة BBIN بتحرير نقل البضائع والخدمات ، وحركة الأفراد بين الدول الأربعة الأعضاء.
تجارب سابقة للتعاون «دون- الإقليمي»
يطرح التقرير بخلاف مجموعة BBIN، ثلاثة تجارب أساسية للتعاون « دون- الإقليمي» في منطقة جنوب آسيا، وهي:
1- رباعي النمو لدول جنوب آسيا SAGQ: طرحت فكرة التجمع عام 1996، لتشكيل تجمع تنموي اقتصادي يشمل قطاعات شمال شرق الهند، وبنجلاديش، ونيبال، وبوتان. اعتبر التجمع فرصة لتخطي عراقيل الإصلاحات والتغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي يتطلبها التعاون في أي إطار « دون- إقليمي» آخر، يشتمل على عضوية كاملة لدول جنوب آسيا. وتخطي عقبة التوتر السياسي بين الهند وباكستان. ويشكل القرب الجغرافي لتجمع الرباعي من دول جنوب شرق آسيا، فرصة لدعم التعاون على النطاق الآسيوي.
2- مجموعة دول جنوب أسيا للتعاون الاقتصادي الإقليمي SASEC: انطلق عملها عام 2001، بمشاركة دول: الهند، وبنجلاديش، ونيبال، وبوتان، وسريلانكا، والمالديف، بناء على توجه للعمل مع بنك التنمية الآسيوي ADB لوضع خطة للتعاون الاقتصادي على الصعيد الــــــ « دون- إقليمي». ركز التعاون في إطار SASEC على مجالات: النقل، والطاقة، والسياحة، والبيئة، التجارة، والاستثمار، تبادل دعم القطاعات الخاصة.
3- بنك التنمية الآسيوي ADB: يقوم على فكرة شراكة القطاعين الخاص والحكومي، عبر تفعيل عنصر المشروعات المشتركة. تعرقل عمل الـــ ADB، نتيجة لضعف قطاعات البنية التحتية في الإقليم، ما عطل تحقيق أهداف البنك.
مجالات التعاون الأساسية:
يعطي التقرير أولوية التعاون الـ « دون- إقليمي» في منطقة جنوب آسيا، لمجالي النقل، وتجارة الطاقة، لتأثيرهما البالغ على إجمالي المنظومة الاقتصادية والتجارية بالمنطقة.
1- مجال النقل: يحقق الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخرا بين دول BBIN ( الهند، ونيبال، وبنجلاديش، وبوتان) على مد ممرات نقل مباشرة تربط الدول الأربعة، مع تجنب نقاط الشحن العابرة للحدود، مما سيخفض من الفترة الزمنية التي تستغرقها عمليات انتقال الأفراد والبضائع.
يشكل هذا الاتفاق دعما لفرص الاقتصاديات الأقل حظا في إطار مجموعة BBIN. ففي حالة دول مثل نيبال و بوتان، والتي تعاني من عدم وجود منفذ بري لتسهيل عمليات التبادل التجاري الخاصة بها، يتم الاعتماد كليا على مواني الهند في كالكتا وهالديا، مما يرفع تكلفة التبادل التجاري لديها وبالتالي يقلص حجم العائد الاقتصادي،. ويرصد التقرير بعض أزمات مجال النقل في جنوب آسيا، وهي:
أ -غياب نقاط الوصل المباشر بين بعض الطرق و شبكات السكك الحديدية وفي قطاعات الشحن البحري والجوي، مما يطيل عملية النقل وبالتالي يزيد تكلفتها. يطرح مثال الفترة التي تستغرقها شحنة للوصول من العاصمة الهندية نيودلهي، إلى عاصمة البنجلاديش، دكا، والتي قد تتراوح بين 20 إلى 25 يوم، وذلك لتنقل الشحنة عبر خطوط النقل البحري من مومباي، ومنها إلى كولومبا أو سنغافورة، قبل بلوغ شيتاجونج، ثم يتم نقل الشحنة عبر السكك الحديدية إلى وجهتها النهائية في دكا. توفر شبكة للسكك الحديدية مباشرة بين عاصمتي البنجلاديش والهند، من شأنه إتمام عملية نقل الشحنة في فترة أربعة أيام على الأكثر.
ب – وجود ثغرات في أنظمة تشييد وصيانة البنية التحتية لقطاع النقل بجنوب آسيا. يشير التقرير إلى عدد من الدراسات التي ترصد قصور البنية التحتية لشبكة ممرات نقل الشحنات، سواء على المستوى الطرق ذاتها، أو فيما يخص الأنظمة والإجراءات المستخدمة في عمليات النقل مثل السياسات الضريبية.
2- تجارة الطاقة: بحثت دول مجموعة BBIN، فرص دعم تجارة الطاقة، ومد شبكات مشتركة بين الدول الأعضاء، مع الاتفاق على ضرورة توظيف المصادر المتجددة وغير التقليدية لتوليد الطاقة، مثل المصادر المائية لتوليد الطاقة الكهرو- مائية. عقدت الهند ونيبال، على خلفية هذا التوجه، اتفاقاً في أكتوبر 2014، لدعم تجارة الطاقة الكهربائية، وتدعيم شبكات وعمليات نقل الطاقة العابرة للحدود بين البلدين.
جاء هذا الاتفاق لتأكيد التزامات الهند القائمة بالفعل لدعم القدرات المحدودة بقطاعات الطاقة في دول مثل نيبال وبوتان. تملك نيبال القدرة على توليد حوالي 43 ألف ميجاوات من مصادر كهرو- مائية، إلا أنها لا تملك من القدرات التكنولوجية أو البنية التحتية ما يسمح بإنتاج ما يكفي من احتياجاتها من الطاقة، ما يجعلها تعتمد على الهند في ذلك. وتعمل الهند بالتوازي على مشروع لتوليد 10 ألاف ميجاوات من الطاقة الكهرو- مائية في بوتان وفقا لاتفاقية ثنائية بين الجانبين منذ عام 2009.
تقتصر هذه الجهود على الصعيدين الثنائي و الــ « دون- إقليمي»، فيما يستمر غياب آليات التعاون و التنسيق لتطوير البنية التحتية المشتركة لقطاع الطاقة الإقليمي، وذلك رغم توقيع إطار اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة خلال القمة الـــ 18 لرابطة SAARC.
ختاماً يرى التقرير أن التعاون دون – الإقليمي يساعد في تحويل جنوب آسيا إلى مركز للتجارة، كما يخدم مصالح الهند، بوصفها أكبر دول المنطقة، ويدعم معاملاتها التجارية إقليميا ودوليا. تعظيم نتائج هذا النمط من التعاون، يتطلب وضع أجندة أهداف واضحة ومركزة، و خلق سبل للتعاون بين مجموعة BBIN من جانب، وغيرها من مجموعات التعاون « دون – الإقليمية، مثل ممر ميانمار، والهند، والصين، وبنجلاديش الاقتصادي، من جانب آخر.
يرجح التقرير أن نجاح أنماط التعاون « الدون الإقليمي» في دعم فرص التكامل الإقليمي في منطقة جنوب أسيا، وتحقيق التقدم الاقتصادي والتجاري الذي يفترض للإقليم بلوغه، يتعلق في الأساس بإرادة دول كبرى مثل الهند، التي يمكنها قيادة وإدارات مبادرات التعاون الـــ « دون – إقليمي.»
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية