شيء ممتع.. روسيا تعلن الحرب على بريطانيا

شيء ممتع.. روسيا تعلن الحرب على بريطانيا

روسيا أعلنت الحرب على بريطانيا. المسافة الباقية بين أول تبادل للصواريخ تبلغ إصبعا واحدا. ولعله يتحرك الآن. ومما لا شك فيه فإن بريطانيا ستكون هي الهدف الأول لذلك الصاروخ الذي تقول وسائل الإعلام الحربية في موسكو إنه سوف يمحو بريطانيا من الوجود.

في لحظة مأساوية ساخرة، شغلني السؤال: أي أصبع سيكون؟

حاولت أن ألقي نظرة على الشوارع، فلم أجد ازدحاما. ذهبت إلى السوق، فلم أر المتسوقين يتكدسون للحصول على مواد غذائية، لاحتياجاتهم الطارئة. اتصلت ببعض الأصدقاء الإنجليز، فوجدتهم يتبادلون النكات “الباردة” كالعادة.

ولكي أبعث الطمأنينة في نفس نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف، فلا توجد في بريطانيا الكثير من الملاجئ. بمعنى أن صاروخه الموعود سوف يحقق الغاية منه بأسرع ممّا قد يتوقع. والبريطانيون، على وجه العموم، باردون حيال التهديدات، ليس عندما تكون مجرد تهديدات، بل وحتى بعد تنفيذها. ولكن ليس لأنهم أقوى بلد في العالم، وليس لأنهم أشجع خلق الله، بل لأن دمهم البارد يجعلهم يسخرون من كل شيء، ويستهينون بالمخاطر.

◙ ميدفيديف أظهر أنه يعرف الحقيقة، عندما قال إن “المملكة المتحدة تتصرف كحليف لأوكرانيا وتقدم لها مساعدات عسكرية في شكل معدات ومتخصصين، أي بحكم الأمر الواقع تقود حربا غير معلنة ضد روسيا

أندريه كيلين، السفير الروسي في لندن، يطل الآن من الشباك، لكي يوصل برقيات الذعر إلى موسكو. لم يجد شيئا يستحق حتى الآن. ولكنه ينتظر. ربما لأن النبأ لم يصل بعد إلى محطات القطار والأندرغراوند التي تزدحم على مدار اليوم، فيهجرها الخائفون. ولكنه ظل ينتظر، حتى تورمت قدماه من طول الوقوف أمام النافذة.

ولقد قررت أن أسافر. لأن أوصالي ترتعد. ولكنني لا أعرف بالضبط إلى أين أذهب. ولا أملك أكثر من كمامة مضادة للفايروسات، وهي لا تكفي لمواجهة الإشعاعات النووية. ولكن الحرب ستكون حلا للكثير من المشاكل في هذا البلد. التضخم وارتفاع أسعار الفوائد وتدفق المهاجرين، سوف تجد حلا تلقائيا عندما لا تعود هي المشكلة.

ووحدي، من دون المواطنين، أقول يا ربي ماذا أفعل الآن. فميدفيديف يهدد. لا حاجة إلى الطعام لأنه، بعد وصول ذلك الصاروخ، لن تكون هناك حاجة لا لطعام، ولا لملابس. الكل سوف يحترق بالإشعاعات النووية. بما في ذلك حسابي في البنك. وهذا هو الشيء الوحيد المفيد. لأنه غارق بالديون.

كيلين قال في مقابلة أخيرة مع الـ”بي بي سي” إن بلاده لديها “موارد هائلة” وإنها أكبر من أوكرانيا بـ16 مرة، وإنها لم “تتصرف بجدية كبيرة بعد”.

تذكرت باخموت، التي أمضى فيها الجيش الأحمر الروسي تسعة أشهر وهو يحاول اقتحامها. لا توجد مشكلة. فروسيا لا تستخدم كل ما لديها من قوة، وذلك من باب العطف على الأوكرانيين الذين تقصفهم كل يوم بالعشرات من الصواريخ. وهذا القصف نفسه هو من باب المحبة، واحترام الروابط التاريخية. أما بريطانيا، فإنها شيء مختلف تماما. لأنها بحسب وصف ميدفيديف “العدو الأبدي” لموسكو. وإن “المسؤولين الأغبياء” فيها “يجب أن يتذكروا أن بريطانيا يمكن اعتبارها في حالة حرب مع موسكو”.

وأشعر بالرعب. وأسأل نفسي: يا إلهي. ماذا يعني ذلك. هل سيكون بوسعي أن أشعر باهتزاز الأرض عندما تبدأ بالانهيار بتأثير الصدمة؟ وكم سيكون عدد الضحايا؟ ولماذا عدت لأحتسي القهوة؟ وما الذي حلّ بمشاعر الناس؟ كيف لم يصبهم الذعر؟ سؤال ينطح سؤالا آخر، وكأن هناك في رأسي معركة بين قطيع من ذكور الماعز.

ما يشغلني أكثر من ذلك هو أن ميدفيديف أظهر أنه يعرف الحقيقة، عندما قال إن “المملكة المتحدة تتصرف كحليف لأوكرانيا وتقدم لها مساعدات عسكرية في شكل معدات ومتخصصين، أي بحكم الأمر الواقع تقود حربا غير معلنة ضد روسيا”.

يا إلهي. لم يعد ذلك سرا. حتى أنه قال “إن أي مسؤول بريطاني يساعد أوكرانيا في الحرب الدائرة بين البلدين يمكن اعتباره هدفا عسكريا مشروعا”.

حاولت أن أفهم. سألت نفسي، كيف؟ هل سوف ترسل موسكو طائرات مسيرة لاغتيالهم واحدا تلو الآخر؟ وما الحاجة إلى ذلك أصلا، إذا كانت المملكة المتحدة كلها سوف تزول من على وجه الأرض.

◙ البريطانيون، على وجه العموم، باردون حيال التهديدات، ليس عندما تكون مجرد تهديدات، بل وحتى بعد تنفيذها. ولكن ليس لأنهم أقوى بلد في العالم، بل لأن دمهم البارد يجعلهم يسخرون من كل شيء

لا يهم كيف سيكون رد فعل حلفاء بريطانيا. فبعد الموت، لا أحد يسأل عمّا سوف يحصل. البريطانيون لا يهتمون بما يحصل خلفهم. ذات يوم سألوا الأمير الراحل فيليب، زوج الملكة الراحلة إليزابيث الثانية: كيف تريد أن يتذكرك الناس؟ قال، “لا يهمني ذلك، لأني أكون قد مت”.

شيء بارد تماما. بريطانيا هي هكذا أصلا. لا شيء فيها يهم بعد الموت. ولا أدري ماذا أفعل. ذلك أن ميدفيديف ليس رجلا عاديا. إنه بالتأكيد ليس خردة تتقلب بين أصابع الرئيس فلاديمير بوتين. صحيح أنه ليس هو الذي سوف يضغط على الزر، ولكنه يعرف كيف يتحرك الأصبع.

أوكرانيا أصغر من روسيا بـ16 مرة. وباخموت أصغر من باقي أوكرانيا بألف مرة. وسوف يكون من الممتع أن يتم حسم المعركة هناك، بحرب نووية مع بريطانيا.

أوكرانيا بلد صغير قياسا بروسيا. هذا صحيح إلى درجة تدفع إلى التساؤل: ما الذي جاء بكم إلى هذا البلد؟ ما حاجتكم إلى أراضيه؟ ولماذا تخسرون فيه عشرات الآلاف من الضحايا؟

أسأل هذه الأسئلة، لأني أرغب في الواقع بإقناع ميدفيديف، والإصبع الذي يتحرك حول “الزر”، بأن الحرب مع “العدو الأبدي” أولى من الحرب مع أوكرانيا.

سأذهب لأطل من الشباك من جديد، وأوصالي ترتعد. مشاعر الذعر تتضاءل عندما يشترك معك بها الآخرون. وهي مصيبة، في الواقع، عندما ترتعد لوحدك.

العرب