يزور أوروبا [حالياً] المسؤول عن شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في وزارة الخزانة الأمريكية لمناقشة جهود التمويل المشترك لمكافحة الإرهاب والوضع القائم للاتفاق العالمي بشأن برنامج إيران النووي. وستكون المحادثات بشأن جهود التمويل واضحة بما فيه الكفاية، ولكن تلك التي تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني قد تصبح وعرة.
على مدى الأشهر القليلة الماضية، توجه المستثمرون من أوروبا وآسيا بأعداد هائلة إلى طهران بغية البحث عن صفقات تلي رفع العقوبات ولتعزيز الآمال الإيرانية بأن رفع العقوبات الدولية سيعود على البلاد باستثمارات كبيرة. ووفقاً لتقرير صحيفة “نيويورك تايمز” من الأول من آب/أغسطس، وصف البعض في أوروبا أن إيران “جنة ذهب ومصدر محتمل للثروات”. ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” عن رئيس البنك المركزي الإيراني ذكره “الميزة الجغرافية الفريدة” لإيران، “وحسن التوقيت والانضباط” فيها و”تاريخها اللامع كشريك تجاري”. وفي تشرين الأول/أكتوبر، توقع أن “تكون إيران الوجهة المفضلة إلى حد بعيد لدى العديد من المستثمرين الدوليين”.
لكن مسؤولي وزارة الخزانة يقدمون أخباراً متضاربة: إذ تستعد الولايات المتحدة للوفاء بالتزاماتها بشأن تخفيف العقوبات المرتبطة بتنفيذ الاتفاق النووي. ومع ذلك، لا تزال العديد من العقوبات الأمريكية المتعلقة بدعم إيران للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان والتصرفات السلبية الأخرى سارية المفعول.
وبعد أيام من تصريحات رئيس البنك المركزي الإيراني في تشرين الأول/أكتوبر، قامت “فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية”، والتي تضع المعايير العالمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بإصدار تقرير آخر فيه توبيخ حاد لإيران بسبب “القصور الاستراتيجي” للبلاد. وقالت فرقة العمل إن إيران وكوريا الشمالية فقط تطرحان خطر “غسيل الأموال وتمويل الإرهاب المستمر والكبير” مما يحتم على المجتمع الدولي تطبيق “تدابير مضادة” فاعلة لحماية النظام المالي العالمي.
وأعربت فرقة العمل أنه بينما يتم رفع العقوبات بموجب الاتفاق النووي، إلا أنها “لا تزال تشعر بالقلق بشكل خاص واستثنائي إزاء فشل إيران في التصدي لمخاطر تمويل الإرهاب والتهديد الخطير الذي يطرحه الأمر على سلامة النظام المالي الدولي”. وكررت دعوتها التي تنادي بها منذ فترة طويلة للمؤسسات المالية من أجل “إيلاء اهتمام خاص لعلاقات العمل والمعاملات مع إيران، بما في ذلك الشركات والمؤسسات المالية الإيرانية”.
بالإضافة إلى ذلك، دعت فرقة العمل السلطات القضائية المالية إلى “فرض تدابير مضادة فعّالة من أجل حماية قطاعاتها المالية من (مخاطر) غسيل الأموال وتمويل الإرهاب” الناجمة عن إيران، وحذرت من أنه على “السلطات القضائية أن تنظر في الخطوات التي اتخذت بالفعل وفي الضمانات الإضافية الممكنة”. بعبارة أخرى، على الرغم من التقدم المحرز في إطار الاتفاق النووي، فحالياً ليس الوقت المناسب للاستثمار في إيران ولكنه مناسب لإعادة تقييم ما إذا كان لا بد من تعزيز الضمانات ضد المخاطر الإيرانية.
وينطوي الاستثمار في الأسواق النامية على مخاطر نموذجية؛ في ما يتعلق بإيران، تشمل هذه المخاطر تفشي الفساد في قطاعي السياسة والأعمال. ثم يأتي الخطر الثاني، المتمثل في الاتفاق الإطار العالمي، بأنه إذا أخلّت إيران بالصفقة، فإن عقوبات “شرط الانقضاء” سيتم فرضها من جديد. ولكن تبرز مخاطر إضافية لممارسة الأعمال التجارية في إيران حتى بعد أن يوضع الاتفاق النووي حيز التنفيذ، وهي: خطر انتهاك العقوبات القائمة ومخاطر تضرر السمعة جراء التعامل مع الكيانات المشاركة في رعاية الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان والانخراط في السلوك المالي غير المشروع مثل غسيل الأموال.
ولا تزال العقوبات المالية التي تركز على دعم إيران للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان قائمة، بما في ذلك العقوبات الثانوية التي تؤثر على الشركات خارج نطاق سلطة الولايات المتحدة. فوفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب من عام 2014، لا تزال رعاية إيران للإرهاب “ثابتة”،. فأكثر من 200 من الشركات والأفراد المرتبطين بإيران ما زالوا مصنفين بأنهم يتصرفون بشكل غير مشروع، وما زالت العقوبات الثانوية المفروضة على «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» قائمة، هذا «الحرس» الذي تؤدي زيادة سيطرته على الاقتصاد الإيراني إلى جعل الاستثمار في إيران يطرح إشكالية بشكل خاص. وفي هذا الإطار أيضاً قررت وزارة الخزانة الأمريكية أن «شركة النفط الوطنية الإيرانية» “عميلة أو تابعة” لـ «الحرس الثوري». فمن شبه المستحيل الانخراط في مجال الأعمال التجارية في إيران من دون التعامل مع «الحرس الثوري» بشكل أو بآخر. وبالتالي، تبرز الصعوبة الأكبر في مسح أخطار العقوبات والسمعة لأن «الحرس الثوري» يستخدم شركات وهمية لإخفاء تورطه عن المنظمين وموظفي مراقبة الامتثال.
وبعد وقت قصير من وقوع الهجمات الإرهابية التي هزّت باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر، شدد قادة دول “مجموعة العشرين” على التزام المجموعة بـ”التصدي لقنوات تمويل الإرهاب” وعلى أهمية “التطبيق السريع لمعايير «فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية» في جميع الاختصاصات”. وجوهرياً، التزمت الحكومات الأوروبية بالفعل بالعمل بجانب من جوانب الرسالة التي يوصلها مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية هذا الأسبوع، على الرغم من أن بعض المسؤولين الأوروبيين والشركات الأوروبية قد لا ترغب في سماعها.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن