يتسم مناخ الأعمال في مصر بمقومات كبيرة لجذب رؤوس الأموال الخليجية الجديدة في ظل حزمة من السياسات والقرارات الجريئة التي اتخذها المجلس الأعلى للاستثمار أخيرا، فضلا عن التمسك بوثيقة سياسة ملكية الدولة التي تفسح المجال أمام القطاع الخاص للمزيد من الاستثمار، ويتزامن ذلك مع حاجة البلاد الماسة إلى العملات الأجنبية.
القاهرة – تخوض بعض دول الخليج منافسة ضمنية على الاقتصاد المصري والفوز بفرص استثمارية واعدة عبر الاستحواذ على شركات تابعة للحكومة وأخرى مملوكة للقطاع الخاص بدلا من ضخ مساعدات مباشرة بطريقة تقليدية، ويعزز من ذلك هبوط سعر العملة المحلية في البلاد، ما يرجح الكفة لصالح أسعار الصرف الخليجية.
تعتمد القاهرة بشكل أساسي على الاستثمارات الخليجية، وتسعى السلطات إلى الاستفادة من المنافسة الخليجية غير المباشرة لجذب مستثمرين أفراد ومؤسسات وصناديق عربية للاستحواذ على أكبر حصة من الكيانات المتاحة للبيع لتعظيم مكاسبها بطرق متنوعة، أبرزها الحصول على فائض من العملات والتوسع في الشركات.
وأصدر المجلس الأعلى للاستثمار الذي يرأسه الرئيس عبدالفتاح السيسي 22 قرارا في مايو الماضي، تشمل قطاعات ومجالات اقتصادية مختلفة، بهدف تحقيق نقلة نوعية في خفض تكلفة تأسيس الشركات والحد من القيود المفروضة على الاستثمار وتسهيل الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها.
ولدى مصر علاقات وطيدة مع كل الصناديق السيادية العربية والخليجية تحديدا، وكان الهدف من إنشاء صندوق مصر السيادي هو القيام بدور المستشار المالي والاستثماري للحكومة وتسهيل التعاون مع الحكومات وصناديق الثروة الخليجية.
يبرهن هذا الاتجاه على أن البلاد قد تصبح ملاذا آمنا للكثير من رؤوس الأموال الباحثة عن الربح، في ظل تغيرات جيوسياسية يشهدها العالم تؤثر على الاقتصاد.
وتلعب توجهات الدول الخليجية الرامية إلى دخول السوق المصرية عبر الشراكات مع الحكومة أو تدشين مشاريع جديدة دون تقديم المنح أو المساعدات المالية دورا حاسما في تعزيز التدفقات الاستثمارية المباشرة الجديدة لمصر الفترة المقبلة.
وأعلن وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف قبل أيام أن بلاده تتطلع إلى الاستفادة من قدرات مصر في صناعة السيارات، وأن المستثمرين السعوديين لديهم رغبة في زيادة الاستثمار في مصر.
وكشف خلال زيارته للقاهرة لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها وتطويرها في قطاعي الصناعة والتعدين عن توقيع اتفاقية لتوفير مدخلات الإنتاج للعديد من الصناعات في المملكة، مع توقعات بزيادة التبادل التجاري قريبا.
ولفت وزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير إلى أن ستة مستثمرين سعوديين يسعون لإقامة مشروعات في الصناعات الغذائية والمعدنية والهندسية، وسوف يلتقون شركات مصرية تعمل في الصناعات الغذائية والهندسية والمعدنية باتحاد الصناعات المصرية لاستكشاف السوق بشكل أفضل تمهيدا لإقامة مصانعهم.
ويستثمرالبعض من هؤلاء المستثمرين للمرة الأولى في السوق المصرية، وآخرون يسعون إلى توسيع استثماراتهم بسبب الرغبة في تلبية احتياجات السوق من السلع المستوردة وتصدير الفائض إلى بعض الدول الأفريقية.
أكد عبدالحميد المطري، عضو جمعية مستثمري الإسماعيلية بشرق القاهرة، لـ”العرب” أن مصر تعج بالفرص الاستثمارية وتظل الملاذ الآمن للعديد من الشركات الخليجية، خاصة أنه توجد قطاعات واعدة للمستثمرين العرب، مثل التعليم والرعاية الصحية والأغذية وغيرها، وهو أمر واضح منذ تأسيس صندوق مصر السيادي، فضلا عن الاستقرار السياسي وقوة البنية التحتية.
وكشفت وزارة التجارة والصناعة أن الفترة المقبلة سوف تشهد مشروعات ضخمة بين مصر وسلطنة عمان، إثر زيارة قام بها السلطان هيثم بن طارق للقاهرة مؤخرا.
وتتضمن آليات العمل المستقبلي بين مصر وسلطنة عمان تحفيز الاستثمار بما يحقق المزيد من المزايا للشعبين، مع حرص الحكومة المصرية على توسيع مشاركة القطاع الخاص المحلي والخارجي في منظومة الاقتصاد القومي.
وأوضح المطري لـ”العرب” أن تحقيق التعاون والشراكة بين مصر ودول الخليج في المشروعات المزمع تنفيذها هو حل ناجز لأزمة شح العملة، وتدرك القاهرة أن الاستثمارات الخليجية فرس الرهان لانقاذ الاقتصاد وخروجه من كبوته الراهنة.
وأعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي في أغسطس الماضي إطلاق الشركة السعودية – المصرية للاستثمارات، بهدف الاستثمار في المجالات الواعدة في مصر ومنها البنية التحتية والعقارات والصحة والزراعة والأدوية.
وأبرمت شركة مصدر الإماراتية وإنفينيتي باور وحسن علام للمرافق اتفاقية مع الحكومة المصرية بشأن تخصيص قطعة أرض لمزرعة رياح قدرتها 10 جيجاوات، وبتكلفة استثمارية تصل إلى نحو 10 مليارات دولار.
ويستعد بنك الاستثمار المصري “سي.آي كابيتال” وبنك باركليز لبدء حملة ترويجية لبيع المصرف المتحد المملوك للدولة، كونهما المستشار المالي للصفقة ويستهدفان دولا خليجية، مثل الكويت وقطر وعمان والإمارات كمشترين محتملين.
وتسعى شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” ضمن عدد من الشركات لشراء حصة في الشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية (وطنية) المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.
توجهات الدول الخليجية الرامية إلى دخول السوق المصرية تلعب دورا حاسما في تعزيز التدفقات الاستثمارية المباشرة الجديدة لمصر
وجاءت مجموعة أغذية الإماراتية التابعة لشركة أي.دي.كيو القابضة الإماراتية (صندوق أبوظبي السيادي) بين مقدمي العروض لشراء شركة صافي التابعة للجيش.
ووقع مجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج مذكرة تفاهم مع مجلس الأعمال المصري – الإماراتي لتعزيز الاستثمارات بين القاهرة وأبوظبي، وطرح المزيد من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وأوشك جهاز قطر للاستثمار على الاستحواذ على حصة تتراوح بين 25 و30 في المئة من شركة فودافون مصر، وهي جزء من ملكية الشركة المصرية للاتصالات “وي” المملوكة للدولة، من خلال شركة أوريدو قطر للاتصالات التابعة للأسرة الحاكمة في الدوحة، ومن المتوقع إتمام الصفقة قبل نهاية يونيو الجاري.
ويتطلع صندوق قطر السيادي إلى الاستحواذ بالكامل على حصة الشركة المصرية للاتصالات البالغة 45 في المئة في فودافون مصر، وهو سبب تعثر المفاوضات في فبراير الماضي مع الحكومة المصرية التي لا تريد التنازل عن أكثر من 25 في المئة، لكن تم استئناف المفاوضات أخيرا على أمل التوصل إلى تفاهمات مشتركة.
وفي حال تمكنت الدوحة من شراء حصة مصر بالكامل سوف تتطلع إلى الدخول في محادثات مع فوداكوم الجنوب أفريقية التي تمتلك نسبة 55 في المئة، إذ استحوذت فوداكوم التابعة لفودافون العالمية في جنوب أفريقيا على حصة الأغلبية من وحدة شركتها الأم في مصر العام الماضي.
يقدر التقييم الحالي لشركة فودافون مصر بنحو 3 مليارات دولار، انخفاضا من 5 مليارات دولار قبل الخفض الأخير لقيمة الجنيه، بالمقارنة مع ما دفعته فوداكوم والمقدر بنحو 2.4 مليار يورو مقابل حصة مجموعة فودافون العالمية في الشركة (55 في المئة) خلال ديسمبر المنقضي.
ومن أهم عوامل جذب الاستثمارات الخليجية لمصر تسريع برنامج الطروحات الحكومية باعتباره من أهم الملاذات لجذب الاستثمارات، ويعد من المؤشرات القوية للمستثمرين على اتجاه القاهرة نحو تمكين الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية.
العرب