لقاء «الدوائر المختلفة» في إيران!

لقاء «الدوائر المختلفة» في إيران!

حثّ علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، أمس الأحد، الحكومة على «البقاء على اتصال» مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكدا على ضرورة «الحفاظ على التعاون» وعلى أنه «لا مشكلة في توقيع اتفاق مع الوكالة».
يأتي التصريح المهم الأخير لخامنئي على خلفية تطوّرات ملحوظة في هذا الملف، فإعلان الوكالة عن وجود «تقدم» في التعاون مع إيران، يشير بالضرورة إلى قيام طهران بخطوات في اتجاه الوكالة، عبر استئناف الاتصالات معها بعد تقييدها بشدة وفصل كاميرات المراقبة عن منشآتها النووية العام الماضي، وخطت الوكالة بدورها خطوة في اتجاه طهران حيث قررت إغلاق ملف بشأن وجود مواد نووية في أحد ثلاثة مواقع غير معلن عنها، لكنها، في الوقت نفسه، أكدت أن الجمهورية الإسلامية زادت مخزونها من اليورانيوم المخصّب في الأشهر الأخيرة «بشكل كبير».
يضاف إلى ذلك حديث الصحف الإيرانية عن توجه لكبح التوتر والسير على خط التهدئة بين إيران والولايات المتحدة، في ما يبدو مقايضة ممكنة بين وقف طهران تزويد روسيا بالمسيّرات، مقابل مرونة مقابلة من أمريكا قد تسمح بالعودة إلى الاتفاق النووي.
يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو رئيس إحدى الدول الموقّعة على الاتفاق النووي الذي أوقفته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد وجد فرصة لتحريك الموقف الأوروبي أيضا في هذا الاتجاه، حيث قام بالاتصال بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول أمس السبت، في مكالمة استغرقت 90 دقيقة.
يتزامن هذا، على صعيد المنطقة العربية، مع إشارات إيجابية متبادلة عبر استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، والعمل على تحسين علاقات إيران مع دول عربية أخرى مثل مصر، وقد رأى السفير السابق لطهران في لندن، جلال ساداتيان، أن ما يحصل تعبير عن اقتراب «دوائر مختلفة» من نتائج، رابطا بين اتصال ماكرون وزيارة سلطان عُمان هيثم بن طارق، التي قال إنها حملت مقترحات أمريكية وأوروبية.
الصيغة التي تعمل عليها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حسب باحث في معهد «القدس للاستراتيجية والأمن» هي «الأقل مقابل الأقل» بمعنى أن إيران ستواجه مطالب أقل صرامة في الموضوع النووي، مقابل إزالة جزئية فقط للعقوبات الاقتصادية، ويربط البحث الآنف، أيضا، هذا التوجه، بانشغال واشنطن على جبهات أخرى، في أوكرانيا والصين، وبترددها في استخدام القوة ضد برنامج إيران النووي.
لكن هذا التحليل يتجاهل أن هذا الامتناع عن استخدام القوة العسكرية كان واضحا في وقائع أخرى سابقة على الحرب الأوكرانية، كما حصل بعد هجوم عام 2019 على البنية التحتية النفطية السعودية، وما جرى من احتجاز العديد من ناقلات النفط، والهجمات على المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، وقد أسهم هذا الامتناع في تعديل بعض سياسات دول الخليج العربي تجاه طهران، التي وجدت أن المصالحة مع إيران أقل كلفة من مواجهتها، ويمكن أن يندرج في هذا السياق أيضا التغيّر الذي طرأ بما يخص التعامل مع النظام السوري.
يبدو أن لقاء «الدوائر المختلفة» يصبّ في صالح السياسة الإيرانية، وأن الأسلوب الذي تتبعه الإدارة الأمريكية، لتخفيف وطأة هذه السياسة على دول الخليج العربي، والسعودية خصوصا، هو التقارب معها بخصوص نقل التكنولوجيا النووية، والتخفيف من غضب إسرائيل، عبر الضغط على الرياض للتطبيع معها.
إحدى الصحف الإيرانية اعتبرت اتصال الرئيس الفرنسي برئيسي «عودة الحمقى» لكن الأغلب أن ما يجري يتضمن تقبّلا أمريكيا وخليجيا وإيرانيا لإعطاء دور أكثر فاعلية للرئيس الفرنسي، مقابل خدماته في تحسين إمكانيات عودة الاتفاق النووي، عبر تحصيل مكاسب سياسية واقتصادية مع إيران، وهو ما يمكن أن ينعكس تعاونا إيرانيا ـ فرنسيا في ملفّات أخرى، كالملف اللبناني.

القدس العربي