الإمارات حاضرة في الحراك الجاري لتفكيك العقد بين إيران والغرب

الإمارات حاضرة في الحراك الجاري لتفكيك العقد بين إيران والغرب

عقدت طهران والترويكا الأوروبية اجتماعا في أبوظبي تم خلاله بحث “المخاوف المتبادلة”، ويحمل مكان انعقاد الاجتماع دلالات سياسية عميقة، وهي أن الإمارات العربية المتحدة حاضرة بقوة في الحراك الجاري لتذليل العقبات أمام اتفاق إيراني – غربي، ويحمل أيضا بعض التطمينات للمنطقة بعدم عزلها عن أجواء المفاوضات بين الطرفين والتي تجري على أكثر من قناة.

أبوظبي – أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين ونائب وزير الخارجية للشؤون السياسية علي باقري كني الثلاثاء أنه أجرى مباحثات مع نظرائه من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في أبوظبي، ما يؤشر على انخراط الإمارات في جهود التوصل إلى اتفاق بين إيران والمجموعة الغربية.

ويأتي اللقاء تزامنا مع محادثات تجريها الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان، وسط حديث عن إمكانية التوصل قريبا إلى اتفاق بشأن ملف إيران النووي، وكانت طهران أكدت حصول المحادثات قائلة “إنها ليست سرية”.

وترتبط الإمارات العربية المتحدة بعلاقات جيدة مع القوى المعنية الرئيسية، وسبق أن شددت مرارا على ضرورة اعتماد الدبلوماسية ولغة الحوار كنهج لحل الأزمات الإقليمية والدولية، ومن هذا المنطلق يرى متابعون أن ليس من الغريب أن تكون أبوظبي حاضرة في الحراك الجاري لتفكيك العقد بين طهران والعواصم الغربية، والتي لا تنحصر فقط في البرنامج النووي بل تشمل عدة قضايا، من بينها المعتقلون الغربيون لدى إيران.

ويشير المتابعون إلى أن إشراك دول الخليج في المفاوضات بين المجموعة الغربية وإيران بشأن الملف النووي، لطالما شكل مطلبا ملحا بالنسبة إلى دول الخليج، تحفظت عليه إيران في السابق، لكن على ضوء التحولات التي تشهدها العلاقة بين الطرفين بدأت تلك التحفظات في التفكك.

وقال باقري كني في تغريدة على تويتر إن مباحثاته مع نظرائه في الترويكا الأوروبية بحثت “طيفا من المواضيع والمخاوف المتبادلة”، وأشار إلى أن هذه المحادثات جاءت “استكمالا للاتصالات الدبلوماسية مع أطراف إقليمية ودولية”.

وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها الإعلان عن محادثات إيرانية – أوروبية في الإمارات، وقد جاءت هذه المحادثات قبل نحو أسبوعين من زيارة قام بها وزير الدولة في الخارجية الإماراتية خليفة شاهين المرر إلى طهران، حيث أجرى مباحثات مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان.

وتوجّه علي باقري، في وقت سابق من الثلاثاء، إلى أبوظبي وقال إن الهدف من الزيارة “تطوير سياسة حسن الجوار وبحث القضايا الإقليمية، وذلك تماشيًا مع استمرار المشاورات السياسية مع الجيران”.

وتأتي زيارة المسؤول الإيراني بعد يوم من بدء سفير إيران الجديد لدى الإمارات رضا عامري مهامه، وأعرب عامري لدى وصوله إلى الدولة الخليجية عن أمله في أن تتطور العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر بما يحقق إرادة قادة البلدين.

وأشار وزير الخارجية الإيراني حسين أميرعبد اللهيان، خلال لقاء مع سفير إيران الجديد في أبوظبي، إلى أهمية العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة وضرورة بذل الجهود لتوسيع العلاقات في كافة المجالات. وتم تعيين السفير الإيراني الجديد لدى الإمارات بعد نحو سبع سنوات ونصف السنة، حيث كانت السفارة الإيرانية في أبوظبي تدار على مستوى القائم بالأعمال.

ويرى متابعون أن الإمارات كباقي دول الخليج تنظر إلى أن خفض التوترات، لاسيما بين الولايات المتحدة وإيران، من شأنه أن تكون له انعكاسات إيجابية على الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تعزيز مسار تحقيق نهضة اقتصادية إقليمية شاملة.

وتحرص دول الخليج على أن يأخذ أي اتفاق جديد بين إيران والغرب هواجسها الأمنية بالاعتبار، ولذلك فإن مشاركة أطراف خليجية في المحادثات الجارية خلف الكواليس ضرورة حيوية.

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي أبدت، خلال اجتماعها الوزاري الذي عقد الأحد في الرياض، استعدادها لـ”التعاون الفعال” في الملف النووي الإيراني. وأكد مجلس وزراء خارجية المجلس في بيان على “ضرورة وفاء إيران بالتزاماتها والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. وأشار البيان إلى “استعداد دول المجلس للتعاون والتعامل بشكل فعال مع الملف النووي”، مشددا على “ضرورة مشاركة الدول (المعنية) في جميع المفاوضات والاجتماعات بهذا الشأن”.

ولفت المجلس الخليجي إلى “أهمية الحفاظ على الأمن البحري والممرات المائية في المنطقة، والتصدي لكل ما من شأنه تهديد خطوط الملاحة البحرية والتجارة الدولية، والمنشآت النفطية”، مؤكدا “رفض الإرهاب أياً كان مصدره ودوافعه ومبرراته”. واستأنف المسؤولون الأميركيون والأوروبيون في الفترة الأخيرة جهودهم لكبح البرنامج النووي لطهران منذ انهيار المحادثات الأميركية – الإيرانية غير المباشرة العام الماضي.

◙ الإمارات كباقي دول الخليج تنظر إلى أن خفض التوترات لاسيما بين واشنطن وطهران من شأنه أن تكون له انعكاسات إيجابية على الاستقرار في المنطقة

وقالت إيران الاثنين إنها لم تترك طاولة التفاوض أبدا و”لطالما أبدت استعدادها الجاد” لإجراء المحادثات. لكنها نفت، على لسان المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني، الحديث عن التوصل إلى اتفاق مؤقت أو اتفاق بديل للاتفاق النووي المبرم قبل نحو ثماني سنوات. وشدد كنعاني، في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، على أنه “لن يكون أي اتفاق مؤقت على أجندتنا، ولا نؤكد أي تفاوض حول اتفاق مؤقت بديل للاتفاق النووي السابق”، مشيرا إلى أن طهران تبادلت الرسائل مع الولايات المتحدة عبر سلطنة عُمان.

واعتبر المتحدث الإيراني أن الحديث عن اقتراب التوصل إلى اتفاق مؤقت هو “تكهنات إعلامية أو أنباء تروج لها بعض الأطراف، لأغراض سياسية لأجل ضرب المسار الجاري للمفاوضات”. وقال إن أي اتفاق يراعي مطالب المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والتي وصفها بأنها “منطقية”، والمصالح الإيرانية، ولا يتخطى خطوط إيران الحمراء، هو محل ترحيب واهتمام من جانب طهران.

وكان المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي صرح مؤخرا في لقاء مع العاملين في الصناعة النووية الإيرانية بأن لا مشكلة في التوصل إلى اتفاق بشأن ملف إيران النووي بشرط “الحفاظ على البنى التحتية النووية الإيرانية”. وأكد أن طهران لا تسعى لإنتاج الأسلحة النووية، مهاجماً السياسات الغربية في التعامل مع الملف النووي الإيراني.

وتوصلت القوى الغربية الكبرى في العام 2015 إلى اتفاق مع إيران حول ملفها النووي. وبموجب هذا الاتفاق، الذي كان يهدف إلى منع إيران من تطوير سلاح نووي، وافقت طهران على وضع قيود على برنامجها النووي وعلى المزيد من عمليات التفتيش المكثفة من جانب وكالة الطاقة الذرية مقابل تخفيف عقوبات الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحب من الاتفاق عام 2018 وأعاد فرض العقوبات الأميركية، وهو ما ردت عليه طهران بالتخلي تدريجيا عن القيود التي كان ينص عليها الاتفاق، مما أعاد من جديد المخاوف الأميركية والأوروبية وفي المنطقة العربية من أن إيران قد تسعى لصنع قنبلة نووية. وتقول إدارة الرئيس جو بايدن مرارا إنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي وإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، ويشمل ذلك توجيه ضربة عسكرية.

العرب