بغداد– اختتم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أمس الثلاثاء زيارة رسمية إلى مصر استمرت يومين، وقال المكتب الإعلامي للسوداني في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية (واع) إن الزيارة تضمنت العديد من الأجندة، من بينها لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في مقر الجامعة، فضلا عن لقاء السوداني الجالية العراقية في مقر سفارة بغداد بالقاهرة.
كما شهدت الزيارة عقد أعمال اللجنة العليا المشتركة بين العراق ومصر، برئاسة السوداني ونظيره المصري، والتوقيع على العديد من مذكرات التفاهم في مختلف المجالات، ثم إقامة فعاليات منتدى الأعمال العراقي المصري بحضور العديد من رجال الأعمال العراقيين والمصريين.
أهم الأجندة
في السياق، قال المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي فادي الشمري إن زيارة السوداني إلى القاهرة تمت بناء على اتفاق مسبق بين البلدين، وإن الوفد العراقي ضم رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والتخطيط والتجارة والإعمار والإسكان والكهرباء، إضافة إلى رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار ومحافظ البنك المركزي ورئيس مجلس الخدمة الاتحادي، وعدد من المسؤولين ورجال الأعمال.
وتابع الشمري أن الزيارة جاءت لتفعيل أعمال اللجنة العليا المشتركة العراقية المصرية، واستعراض النسخة النهائية لمحضر اجتماعات اللجنة العليا، وتنظيم مذكرات التفاهم التي وقّعها رئيسا وزراء البلدين.
وعن أهم المخرجات، كشف الشمري -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن الزيارة شهدت توقيع 11 مذكرة تفاهم بين البلدين، وشملت مجالات متنوعة، مثل التدريب الدبلوماسي وتبادل الخبرات، والسياحة والثقافة، وتعزيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وتطوير الإدارة الحكومية، والشباب والرياضة والإسكان وإعادة الإعمار وتعزيز العمل والشؤون الاجتماعية.
وعن فرص الاستثمار بين البلدين، أوضح الشمري أن زيارة السوداني للقاهرة اتسمت بالحرص على تعزيز العلاقات الاقتصادية وتعزيز التعاون بين القطاع الخاص العراقي ونظيره المصري، مبينا أن العراق وجّه دعوة للشركات المصرية للمشاركة في حملة إعادة الإعمار التي سيعلنها رئيس الوزراء العراقي، وذلك عن طريق تخصيص ميزانية خاصة للإعمار والخدمات على مدى السنوات الثلاث القادمة.
البعد الاقتصادي
وتتسق هذه المعلومات مع تصريحات مدير عام دائرة الاستثمارات في وزارة الصناعة العراقية عادل أحمد شبيب، الذي أكد في حديث رسمي أن وزارة الصناعة والمعادن العراقية تحظى بعلاقات مشتركة مع الجانب المصري في مجالات متعددة، منها بروتوكول للتعاون ومذكرات تفاهم موقعة بين الجانبين منذ عام 2020.
وتابع شبيب أن الوفد العراقي زود الجانب المصري بقاعدة بيانات أولية للصناعات العراقية والفرص الاستثمارية المتاحة، وأن الجانب المصري يعكف الآن على إعداد دراسات لإنشاء مصانع في العراق، وفق قوله.
من جانبه، يقول الخبير والسياسي العراقي نبيل جبار العلي إن زيارة السوداني للقاهرة تعد الثانية بعد أن كان السوداني قد أجرى زيارة للقاهرة في مارس/آذار الماضي، بما يعكس حرص الجانب العراقي على تعزيز العلاقات والتعاون مع مصر في المجالين الاقتصادي والسياسي.
وعما يتعلق بالجانب الاقتصادي، يضيف العلي -في حديثه للجزيرة نت- أن اجتماعات اللجنة العليا العراقية المصرية التي عقدت بين الجانبين في القاهرة تمخضت عن توقيع العديد من مذكرات التفاهم، بما يعكس هدفا عراقيا يتمثل باجتذاب واستقطاب شركات معتمدة من الحكومة المصرية لإشراكها في حملة الإعمار التي يعمل السوداني على تنفيذها في العراق.
وحول مذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين وإمكانية تطورها لاتفاقيات وتطبيق على أرض الواقع، يرى الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي أن العلاقة بين بغداد والقاهرة لم تتطور بشكل ملحوظ إلا في العامين الأخيرين، مبينا أن القاهرة بدأت تدرس فعليا إمكانية الدخول للسوق العراقي، لا سيما أن حجم الاستثمارات المصرية في العراق تكاد لا تذكر، وفق قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح العبيدي أن مذكرات التفاهم بين البلدين تأتي كمرحلة أولى، تحاول من خلالها القاهرة الاطلاع على السوق العراقي وإمكانية دخول الشركات المصرية الخاصة في الاقتصاد العراقي، مبينا أن تطوير هذه المذكرات إلى اتفاقيات ومشاريع على أرض الواقع لا يزال بحاجة لمزيد من الجهود العراقية لكسب ثقة المستثمرين، خاصة أن البلاد شهدت في العامين الأخيرين أزمات سياسية كادت تودي بالبلاد إلى حرب أهلية، وهو ما يجعل المستثمرين حذرين من استثمار ملايين الدولارات في العراق بانتظار ما ستفسر عنه الأشهر المقبلة فيما إذا كان الاستقرار السياسي سيستمر أم لا، وفق تعبيره.
البعد السياسي
سياسيا، وعما إذا كانت الزيارة تهدف أيضا للوساطة بين طهران والقاهرة، لا يستبعد نبيل جبار العلي أن يكون السوداني قد حمل رسائل خاصة من طهران للقاهرة، في ظل الجهود العراقية للوساطة بين البلدين.
وبالعودة إلى المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي فادي الشمري وتعليقه حول هذه المعلومات، يبدو أن العراق لا يزال يعمل على هذه الوساطة فعليا، حيث يعلق الشمري بالقول “يلعب العراق دورا فاعلا ومؤثرا في المنطقة الإقليمية، ويسعى إلى تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليمي، وتعزيز العلاقات الثنائية مع دول الجوار والمجتمع الدولي بشكل عام، ويعتبر العراق شريكا حريصا على السلام والأمن في المنطقة، ويعمل على تعزيز التفاهم وحل النزاعات بطرق سلمية”، بدون إبدائه المزيد من التفاصيل.
وكانت تقارير صحفية قد كشفت في مارس/آذار الماضي عن عقد لقائين -اتسما بالسرية- في بغداد بين مسؤولين من مصر وإيران وبرعاية وإشراف المكتب الخاص لرئيس الوزراء العراقي ووزير خارجيته فؤاد حسين، في تكرار لتجربة الوساطة العراقية بين طهران والرياض، حيث لا تزال جهود الوساطة العراقية بين مصر وإيران مستمرة بدون تحقيق اختراق حقيقي حتى اللحظة.
وكشف مصدر سياسي رفيع المستوى في العاصمة بغداد -للجزيرة نت- أن أجندة زيارة السوداني للقاهرة تهدف في الجانب السياسي لاستمرار الوساطة العراقية بين إيران ومصر، لا سيما أن لقاءات مسؤولي البلدين في بغداد تمت في مارس/آذار الماضي عبر وفود أمنية وبتمثيل دبلوماسي ضعيف، مبينا أن هذين اللقاءين -رغم أنهما كانا إيجابيين- لم يسفرا عن حل جميع النقاط الخلافية، خاصة أن الوفدين ناقشا مختلف القضايا الإقليمية في اليمن وسوريا ولبنان والتأثير الإيراني في هذه البلدان.
وأكد المصدر -الذي فضل عدم الكشف عن هويته- أنه تم الاتفاق على عقد لقاء آخر خلال الشهرين القادمين في بغداد مع سعي العراق لرفع مستوى تمثيل وفدي إيران ومصر، في محاولة عراقية لتسجيل نقطة اختراق قد تفضي لعودة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وهو ما سيعود بالنفع على العراق من الناحية الاقتصادية والسياسية وتعزيز جهود حكومة السوداني في سعيها لإعادة تموضع العراق الإقليمي، في ظل الرضى الإقليمي والدولي الذي تحظى به الحكومة الحالية، وفق المصدر.
المصدر : الجزيرة