الجزائر- باشر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة دولة إلى روسيا وسط جدل واسع، قياسا بالظروف الإقليمية والدولية السائدة، لتكون هي الأولى من نوعها منذ انتخابه رئيسا للبلاد في نهاية عام 2019، وبعدما شهدت هذه الزيارة عدة تأجيلات؛ حيث كانت منتظرة قبل نهاية العام الماضي، ثم قبل منتصف الشهر المنقضي.
يأتي هذا في وقت تقول فيه أوساط جزائرية إن خطوات تبون ستكون محسوبة خلال زيارته إلى موسكو، وإنه سيحرص على عدم إثارة غضب الأميركيين بتأجيل الخوض في الصفقة العسكرية التي جرى الحديث عنها في وقت سابق.
وحملت الزيارة رسائل سياسية ودبلوماسية توحي بأن الجزائر بصدد تصفية الحساب مع الفرنسيين، بعد الأزمة المتجددة بين البلدين لأسباب متعددة أفضت إلى تأجيل جديد للزيارة التي كان ينتظر أن يؤديها الرئيس الجزائري إلى باريس في نفس توقيت زيارة موسكو، ما يعني ترجيح التحالف مع روسيا على حساب الالتزامات الجزائرية تجاه فرنسا ومن ورائها أوروبا.
◙ خطوات تبون ستكون محسوبة خلال زيارته إلى موسكو، وسيحرص على عدم إغضاب الأميركيين بتأجيل صفقة السلاح
وفيما لم يعلن أي من الطرفين عن القرار أو الأسباب واضطلعت بذلك وسائل إعلام فرنسية، فجرت بعض التطورات المتسارعة في الآونة الأخيرة أزمة جديدة بين البلدين، وهو ما تريد الجزائر إبلاغه لباريس عبر هذه الزيارة، بأنها تملك مفاتيح البدائل، وعلى رأسها موسكو التي تعتبرها حليفا تاريخيا وإستراتيجيا حتى في ذروة التوازنات الدقيقة التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية.
وستكون روسيا أول المستفيدين من ميلان كفة الحليف الجزائري لصالحها، بعد مؤشرات أعطت الانطباع في وقت سابق بأن الغرب -وعلى رأسه فرنسا والولايات المتحدة- نجح في هز التحالف بين الجزائر وروسيا. كما أن زيارة تبون إلى روسيا في توقيت استثنائي تمثل كسرا للعزلة التي تعيشها روسيا.
وظهر الرئيس الجزائري بهذه الزيارة في ثوب المناور الذي يملك خيارات متعددة؛ ففرنسا لا تستطيع بالنسبة إليه الاستمرار في سياسة الضغط وعدم التعاطي مع الجزائر بالندية التي يريدها تبون من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
لكن مراقبين يحذرون من أن النقاط التي يعتبر تبون أنه سجلها على حساب فرنسا قد تتحول إلى معطى عكسي لأنها ستدفع الغرب إلى الحذر من الجزائر على المدى البعيد، وأن الشكوك لن تقف عند التعاملات الدبلوماسية، وأنها قد تطال التعامل الاقتصادي، وهو ما يعني أن الأوروبيين الذين يفاوضون لاعتماد الغاز الجزائري كبديل للغاز الروسي قد يغيرون حساباتهم على المدى البعيد ويدعمون مسارات بديلة بالرهان على ليبيا وغاز المتوسط، وخاصة خط الغاز النيجيري عبر المغرب الذي يبدو أحد أبرز البدائل الفعالة في مواجهة الجزائر كمصدّر غير موثوق به.
ويشير المراقبون إلى أن الجزائر تريد ألّا تتّخذ زيارة تبون إلى موسكو بعدا استعراضيا ودعائيا؛ وذلك خوفا من توتير العلاقات مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة، ولأجل ذلك هناك حذر جزائري من الحديث عن الصفقة العسكرية خلال الزيارة.
وأفاد مصدر جزائري مطلع بأن مخرجات الزيارة ستكون خالية من أي صفقة عسكرية عكس ما تردد سابقا؛ وذلك لاعتبارات متعددة، أبرزها تخوّف الجزائر من الضغوط الغربية، إضافة إلى صعوبة الحصول على الصفقة عمليّا، حيث يقوم الروس في الظرف الحالي بتأمين السلاح والذخيرة للحرب في أوكرانيا، فضلا عن تعقيدات الدفع في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والتي قد تتسع لتطال الجزائر.
وأضاف المصدر أن “هناك فواتير روسية متراكمة على عاتق الجزائر تقدر بنحو ملياري دولار، تسعى موسكو لتحصيلها بشتى الطرق للمساعدة في تمويل خزينتها، غير أن الحصار المصرفي المضروب على موسكو أعاق عملية تسوية الجزائر للفواتير الروسية”.
وتسعى الجزائر لإقناع الغرب بأنها ماضية في تخفيف تعاملاتها مع موسكو، لكنها في الوقت نفسه تحاول إقناع الروس بأنها في صفّهم، وهذا التناقض لا تقبل به موسكو كما لن يقبل به الغرب، وخاصة واشنطن التي تلوّح في وجه النظام الجزائري بقانون “مكافحة أعداء أميركا عن طريق العقوبات” (كاتسا) الذي أقره الكونغرس في عام 2017.
واتهمت دوائر أميركية مؤثرة، من بينها نواب في الكونغرس، الجزائر بأنها ستموّل حرب روسيا في أوكرانيا في حال مضت في إنجاز صفقة عسكرية مع روسيا بقيمة 7 مليارات دولار، وقد بدأ المسؤولون الجزائريون البحث عن مخارج لهذه الأزمة.
ورافق الرئيس الجزائري العديد من الوزراء ومن المسؤولين الكبار ورجال الأعمال للمشاركة في فعاليات المنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ، الذي يبحث آليات بعث التعاون الاقتصادي والتجاري، خارج التعاون العسكري الذي أثار جدلا في الغرب، خاصة في ظل الحديث عن صفقة تسليح ضخمة تقدر بـ11 مليار دولار بصدد الإبرام بين البلدين.
ولدى إشرافه على افتتاح المنتدى الاقتصادي الجزائري – الروسي بالعاصمة موسكو، صرح الرئيس الجزائري بأن هناك إمكانيات هائلة بين الجزائر وروسيا بخصوص التحول الذي تشهده مجالات التكنولوجيا والزراعة والسياحة والعلوم الدقيقة، وأن الإجراءات العملية التي تجسدت في إطار هذا المسار -منها إنشاء وكالة لترقية الاستثمار- وضعت من أجل مرافقة الراغبين في إطلاق مشاريعهم الاستثمارية من المتعاملين الجزائريين والأجانب.
وفيما التقى الرئيس الجزائري بمسؤولين روس، على غرار رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو ورئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، يتطلع المراقبون إلى اللقاء المنتظر بينه وبين الرئيس فلاديمير بوتين، وما سيتمخض عنه من مشاورات تمس مختلف الملفات الثنائية والدولية، على غرار اتفاقية الشراكة الإستراتيجية المعمقة، والوضع في منطقة الساحل الأفريقي وليبيا والشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية، ومسألة الطاقة ومنظمة أوبك+، وغيرها.
ووصف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، زيارة الرئيس الجزائري إلى روسيا بـ”الحدث التاريخي”، وأكد على أنها ستكون “ناجحة وستساهم في تطوير العلاقات الودية بين البلدين”.
وصرح بوغدانوف لوكالة الأنباء الجزائرية بأن “هذه الزيارة في مستوى عال وهي مهمة جدا نظرا إلى برنامجها الكثيف والوفد الكبير المرافق للرئيس الجزائري، ونحن متأكدون من أنها ستكون موفقة وناجحة وستساهم في تطوير العلاقات الودية التقليدية وروابط الصداقة والتضامن بين الشعبين والبلدين”.
العرب