المنظمات الإنسانية تريد لفت الانتباه إلى الوضع الكارثي في سوريا

المنظمات الإنسانية تريد لفت الانتباه إلى الوضع الكارثي في سوريا

يواجه اللاجئون السوريون في كل مكان ظروفا صعبة فاقمها تراجع المساعدات المالية، حيث قلل المانحون الدوليون الاهتمام بالملف السوري خصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وهو ما تسعى وكالة الإغاثة للتنبيه إليه وإيجاد حل له في مؤتمر المانحين المنعقد حاليا.

بر الياس (لبنان) – تكافح نجوى الجاسم لإطعام أطفالها الأربعة ودفع إيجار خيمتها في مخيم للاجئين السوريين في سهل البقاع شرق لبنان. وساءت أوضاعها منذ تلقيها مكالمة قبل ستة أشهر أبلغتها بأن مساعدتها من الأمم المتحدة ستنقطع.

وكانت تتلقى حصصا غذائية وأموالا تغطي معظم نفقاتها الشهرية المتواضعة. وتحصل الأسرة الآن على ما يعادل 20 دولارا شهريا، وهو ما يغطي فقط إيجار خيمتها الضيقة.

وقالت في المخيم بالقرب من بلدة بر الياس إن زوجها عامل يومي غير مستقر الدخل و”أطفالي أصغر من أن أرسلهم إلى العمل في الحقول. نحن نأكل وجبة واحدة في اليوم”.

وتكافح وكالات الإغاثة للفت انتباه العالم إلى محنة السوريين مثل الجاسم في مؤتمر المانحين السنوي الذي يستضيفه الاتحاد الأوروبي في بروكسل للمساعدات الإنسانية في إطار الاستجابة للأزمة السورية.

وسيُخصص التمويل من المؤتمر الذي بدأ أمس الأربعاء ويستمر اليوم الخميس لمساعدة السوريين داخل البلد الذي مزقته الحرب ولحوالي 5.7 مليون لاجئ سوري يعيشون في البلدان المجاورة، وخاصة تركيا ولبنان والأردن.

ويهدف المنظمون هذا العام إلى جمع حوالي 11.2 مليار دولار، على الرغم من اعتراف المسؤولين في المجال الإنساني بأن التعهدات من المحتمل أن تكون دون المستوى المطلوب.

ويوم الثلاثاء، أي قبل يوم من انطلاق المؤتمر، أعلن برنامج الغذاء العالمي أنه يواجه “أزمة تمويل غير مسبوقة” وأنه سيقطع المساعدات عن 2.5 مليون من 5.5 مليون شخص في سوريا كانوا يتلقون مساعدات غذائية.

ويتزامن المؤتمر مع دخول الانتفاضة السورية المطولة، التي تحولت إلى حرب أهلية، عامها الثالث عشر. كما أنه يتبع زلزالا بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، هزّ مساحات شاسعة من سوريا في فبراير الماضي، مما زاد من تدهور الوضع في البلاد.

وقدّر البنك الدولي خسائر بأكثر من 5 مليارات دولار، حيث دمّر الزلزال المنازل والمستشفيات وأسهم في إضعاف البنية التحتية السورية للطاقة والمياه.

ويأتي كل هذا في وقت غير مستقر سياسيا للاجئين الذين يعيشون في البلدان المجاورة. وتلقى الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرا شريان حياة سياسيا كبيرا مع عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية. ودعا جيران سوريا في المقابل إلى إعادة جماعية للاجئين. وتصاعد الخطاب المناهض للاجئين في لبنان وتركيا اللذين يواجهان أزمات اقتصادية وسياسية.

وفي لبنان، حيث يتهم المسؤولون حوالي 1.5 مليون لاجئ في البلاد بمضاعفة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فرضت السلطات حظر تجول على اللاجئين وقيّدت قدرتهم على استئجار منازل. وقالت جماعات حقوقية إن الجيش اللبناني رحّل المئات من اللاجئين السوريين خلال الأشهر الأخيرة.

وفي تركيا، حيث لاقى السوريون في البداية الترحيب الحار، أصبحت إعادة ما يقارب 3.7 مليون لاجئ موضوعا رئيسيا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الشهر الماضي، والتي انتهت بفوز رجب طيب أردوغان بولاية جديدة.

11.2
مليار دولار ما يهدف المنظمون لجمعه على الرغم من اعتراف المسؤولين في المجال الإنساني بأن التعهدات من المحتمل أن تكون دون المستوى المطلوب

ودافعت حكومة أردوغان في الماضي عن سياسة الباب المفتوح، لكنها عملت خلال السنوات الأخيرة على مشاريع سكنية في مناطق شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها جماعات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة. وتهدف بذلك إلى تشجيع عودة اللاجئين. كما تجري محادثات مع دمشق في موسكو لتحسين العلاقات المتوترة.

ونفذت الحكومة أيضا عمليات ترحيل قسري متفرقة، بينما اتسمت خطابات منافسي أردوغان بنبرة أكثر حدّة، وتعهدوا بترحيل اللاجئين ترحيلا جماعيا. وبينما عاد بعض اللاجئين السوريين طواعية من تركيا ولبنان، يقول معظمهم إن الوضع متقلب للغاية.

وفي لبنان حاولت فطيم الجنود، التي تحدثنا إليها في المخيم، كبح دموعها حين قالت إنها وزوجها لا يستطيعان سوى إرسال واحد من أطفالهما الستة إلى المدرسة. لكن اللاجئة من محافظة حلب شمال سوريا ترى أن الوضع في وطنها أسوأ، سواء من حيث الأمن أو من ناحية المخاوف المادية.

وقالت “إذا كانت الظروف جيدة وإذا أصلحوا منازلنا حتى نتمكن من العيش بسلام وراحة، فلن نواجه مشكلة في العودة إلى سوريا، حتى مع بقاء بشار الأسد في السلطة”.

وتضاءلت المساعدات في السنوات الأخيرة رغم تدهور أوضاع السوريين، حيث اندفع المانحون إلى دعم أكثر من 5 ملايين لاجئ أوكراني وأكثر من 7 ملايين نازح داخليا في الدولة الأوروبية المتضررة من الغزو الروسي. وأدت الحرب في أوكرانيا، التي تعتبر “سلّة الخبز العالمية”، إلى زيادة أسعار الغذاء في أعقاب جائحة كورونا التي هزت الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة.

وقال إيفو فرايجسن، وهو ممثل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، حيث يعيش حوالي 90 في المئة من اللاجئين في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات، “نرى تزايدا في الاحتياجات بينما يتقلص تمويل المانحين تدريجيا”.

واعتبر أن هذا “يعني، من وجهة نظر إنسانية، أن المزيد من الناس سيعانون. نحن بحاجة إلى الحفاظ على نفس مستويات التمويل بل وحتى الزيادة فيها”.

وفي مؤتمر العام الماضي في بروكسل تعهد المانحون بتقديم 6.7 مليار دولار لمساعدة اللاجئين والسوريين داخل البلد الذي مزقته الحرب، وهو أقل من مبلغ 10.5 مليار دولار الذي طالبت به منظمة الأمم المتحدة. وأجبر نقص التمويل المستشفيات في شمال غرب سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة على تقليص الخدمات، في حين خفض برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حجم حصصه الشهرية لأكثر من مليون شخص يقدّم لهم خدماته في تلك المنطقة.

وقال المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا “نعلم أن أوكرانيا تشهد أوقاتا عسيرة، ونعلم أن السودان أصبح الآن أيضا ذا أولوية كبيرة. إنه ظرف صعب يأتي في أعقاب الجائحة وكل ما أثّر على الاقتصادات بشدة في جميع أنحاء العالم”.

وفي ضوء هذه الصعوبات، قال إن المانحين الدوليين بحاجة إلى “التحرك نحو تدخلات أكثر استدامة” بدلا من البقاء في وضع الأزمة. وفي المخيم الواقع في سهل البقاع تقول الجاسم إنها تكافح لمواكبة الديون المتزايدة عليها هي وزوجها، حيث يجب عليها تغطية الإيجار غير المدفوع والنفقات الطبية.

لكنها قلقة أكثر بشأن رفاهية أطفالها، الذين عاشوا حياتهم كلها في ظروف مخيم اللاجئين القاسية. وأوضحت “يذهب الأطفال أحيانا إلى المدرسة دون تناول الإفطار. كان معلمهم يتصل بي أحيانا ويسألني عن سبب عدم إحضارهم شطيرة معهم، وأود أن أخبره بأنني لا أمتلك أية مؤونة أطعمهم منها”.

العرب