خامنئي وحفظ التوازن النووي

خامنئي وحفظ التوازن النووي

بالتماشي مع ميله إلى إبقاء جميع الخيارات مفتوحة عند مناقشة المفاوضات النووية، لم يعطِ خطابه الأخير غير الضوء “الأصفر” لإبرام اتفاق محتمل.

في 11 حزيران/يونيو، ألقى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي خطابًاأمام جهات فاعلة في القطاع النووي في البلاد للمرة الأولى منذ سنوات، في سياق تقارير أفادت بأن طهران وواشنطن تتفاوضان بشكل غير مباشر على اتفاق نووي بوساطة عُمان. وكالعادة، استغل خامنئي هذه المناسبة لتوجيه رسائل ضمنية وصريحة إلى الجماهير المحلية والأجنبية على حدٍّ سواء، رسم فيها حدود تعامل الحكومة مع الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

استعداد لقبول اتفاق، ولكن ليس أي اتفاق: لم يتحدث خامنئي صراحةً عن إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة” المبرمة عام 2015، بل تحدث عن “اتفاق” أكثر غموضًا، مؤكدًا أن لا شيء يمنع التوصل إلى اتفاق جديد، شرط أن يستوفي هذا الاتفاق شروطًا معينة. فقد لفت على وجه الخصوص أنه لا ينبغي تغيير البنية التحتية النووية الحالية في إيران، ورحّب الجمهور بهذا المطلب بهتافات “الله أكبر”. وبعد الاجتماع، تم التأكيد على الفكرة نفسها في التصريح التلفزيوني الذي أدلى به المتحدث باسم “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، بهروز كمالوندي، وأيضًا في الصحف الإيرانية. فقد تضمنت مثلًا صحيفة “إيران” الحكومية الرسمية عناوين من قبيل “اتفاق يحافظ على البنية التحتية النووية” و”يجب الحفاظ على البنية التحتية النووية”.

يجب أن يستمر التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ولكن ضمن حدود: أفاد خامنئي أنه يتعين على إيران الحفاظ على التعاون والاتصالات مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ولكن في إطار “اتفاقية الضمانات الحالية” للوكالة لا غير، ويجب، بعبارات أخرى، ألا توافق الحكومة على الخضوع لأي مراقبة تتجاوز ذلك الاتفاق. وفي إشارة إلى علاقات طهران المتوترة مع الوكالة، كرر خامنئي عدم ثقته بهيئة الإشراف هذه وزعم أنه لا يجب تعريض إيران “لمطالب قسرية وادعاءات كاذبة”. وجاءت تصريحاته في أعقاب الانتقادات التي وجهها مدير عام الوكالة، رافائيل غروسي، في وقت سابق من هذا الشهر بشأن تنفيذ إيران لاتفاقٍ أبرم في آذار/مارس مع الوكالة.

كما حث المرشد الأعلى المسؤولين الإيرانيين على عدم خرق “خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية” الصادرة عن البرلمان في كانون الأول/ديسمبر 2020 عند منح “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حق الوصول أو تزويدها بالمعلومات. فقد دعا هذا القانون الحكومة السابقة إلى اتخاذ خطوات كبيرة في الحقل النووي إذا لم تُرفع العقوبات الدولية المفروضة على القطاعين المصرفي والنفطي، مثل استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة والحد من أعمال مراقبة الوكالة. وفي عام 2021، لام الرئيس الإيراني آنذاك، حسن روحاني، هذا القانون لأنه عرقل محاولات إحياء “خطة العمل الشاملة المشتركة”. لكن خامنئي أعلن الشهر الماضي أن القانون “أنقذ البلاد من الالتباس بشأن القضية النووية”.

الغرب ليس أهلًا للثقة: واصل خامنئي النمط الذي لطالما اتبعه في حث الحكومة والشعب الإيراني على عدم الثقة بـ”العدو”. وأشار إلى أن تعاملات إيران في المجال النووي على مدى عشرين عامًا علّمتها بمن تثق وبمن لا تثق. وانتقد “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وأطراف “خطة العمل الشاملة المشتركة” بحجة عدم الوفاء بوعودها، وتحسّر من الضرر الذي لحق بإيران نتيجة وضع ثقة كبيرة في هذه الجهات الفاعلة.

التهديدات والضغوط لا تردع إيران: كرّر خامنئي أن الغرب يحاول عرقلة تقدم إيران وإذلال الأمة، ووجّه تحذيرًا إلى “الدول القوية” التي تعتقد أن إيران ضعيفة أو عاجزة. ومن وجهة نظره، يشكل التقدم المستمر في البرنامج النووي “إهانة” للغرب. وعلى الرغم من ادعائه بأن إيران ما زالت غير راغبة في صنع أسلحة نووية لأسباب دينية، أعلن أيضًا أن الغرب لن يكون قادرًا على منعها إذا ما قررت المضي بهذه الخطوة.

القطاع النووي مفيد للأمة: خصّص خامنئي جزءًا كبيرًا من خطابه لشرح إنجازات طهران النووية ودورها في تحسين حياة الناس في مختلف القطاعات وفي تعزيز شرف الأمة. ودعا “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” إلى مواصلة تطوير البرنامج النووي من أجل بلوغ هدف توليد 20 ألف ميغاواط من الطاقة النووية. وعلى سبيل المقارنة، كانت الولايات المتحدة تولد 95492 ميغاواطًا من الطاقة النووية اعتبارً من عام 2021، وهو معدل يتطلب تشغيل ثلاثة وتسعين مفاعلًا. وحث أيضًا خامنئي المسؤولين على تسويق المنتجات والخدمات النووية لأنّها “مطلوبة في الأسواق الدولية“.

التحوط ضد القرار: في خطاب ألقاه خامنئي في 20 أيار/مايو أمام كبار المسؤولين والسفراء في وزارة الخارجية، أشار إلى أن مبادئ إيران ومرونتها أمران متلازمان، وحث جمهوره على عدم الانخراط في “دبلوماسية التوسل”. وأوضح أن خطاب “المرونة البطولية” الذي ألقاه عام 2013، والذي يُعتبر على نطاق واسع على أنه ضوء أخضر للتفاوض مع الولايات المتحدة، قد أسيء تفسيره، إذ تمت مقارنة المرونة بالتقية التي تعني إخفاء النوايا الحقيقية من أجل تحقيق هدف ما. ويبدو أن التصريحات التي أدلى بها في 11 حزيران/يونيو اتبعت المسار نفسه وحافظت على غموض الخطابات السابقة المتعلقة بالمفاوضات النووية بينما أظهرت التوازن نفسه بين المرونة والمبادئ، أي أنها أفسحت المجال أمام التوصل إلى اتفاق، ولكنها حرصت على أن يفهم جمهوره نطاقه المحدود.

عومير كرمي

معهد واشنطن