النفط الروسي الرخيص يختبر أوبك+

النفط الروسي الرخيص يختبر أوبك+

موسكو- بات التحالف النفطي بين كبار المنتجين (أوبك+) في وضع صعب قد يقود إلى انفجاره من الداخل بسبب النفط الروسي الرخيص الذي يتدفق نحو شرق آسيا دون ضوابط، في تحد لتفاهمات المنظمة وقرارها الذي يقضي بخفض الإنتاج ومنع تراجع الأسعار.

ويأتي هذا التوجه الروسي ليضع أوبك+ موضع اختبار، وقد يهز تحالف موسكو مع كبار المنتجين وخاصة السعودية والإمارات.

وتبدو روسيا في وضع معقد، فهي من ناحية تعلن التزامها بما تم الاتفاق عليه في أوبك+، ومن ناحية ثانية تدفع بكميات كبيرة نحو الهند والصين تتجاوز ما هو مسموح لها وبأسعار أقل، في مسعى لتغطية تكاليف الحرب والالتفاف على العقوبات الأميركية المفروضة على نفطها.

واستطاعت موسكو الإبقاء على علاقتها الإيجابية مع أوبك وبعض قوى النفط والغاز الأخرى، خاصة في الشرق. لكن يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقطع علاقاته تدريجيا مع السعودية وأعضاء آخرين في أوبك بعد أن تجاوز غزو أوكرانيا عامه الأول.

◙ موسكو تقوّض تحالف أوبك+ من خلال توفير النفط الرخيص لاثنين من أكبر المستهلكين في العالم (الهند والصين)

ونجحت موسكو في جذب الأسواق الهندية والصينية الضخمة، لتصبح خلال هذا العام المصدر الرئيسي للخام الذي تتلقاه الصين.

لكن روسيا قد تضر بأوبك+ نفسها التي مكّنتها من تعزيز صناعتها من النفط والغاز طوال هذه السنوات، وأعاقت ضغوطا أميركية كانت تهدف إلى إغراق السوق وضرب الأسعار للحيلولة دون توفير روسيا العائدات التي تكفيها للنهوض بأعباء الحرب.

وكانت المكاسب الروسية على حساب حلفائها في أوبك+، فعلى سبيل المثال تفوقت روسيا على السعودية في الشهرين الأولين من العام الجاري، لتصبح أكبر مصدر للنفط إلى الصين، حيث شحنت حوالي 1.94 مليون برميل يوميا إلى العملاق الآسيوي، بزيادة قدرها 23.8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية.

وأعرب المسؤولون السعوديون عن خيبة أملهم وطلبوا من المسؤولين الروس أن تلتزم بلادهم بتعهدها بخفض إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام.

ووضعت السعودية نفسها في مواجهة مع الولايات المتحدة بسبب سياسة خفض الإنتاج. ويقول الأميركيون إن هذا يخدم روسيا وإن المملكة تساعدها بهذا الخفض على زيادة عائداتها من النفط ما يمكّنها من تمويل الحرب في أوكرانيا، في الوقت الذي اتهم فيه نواب في الكونغرس الرياض بأنها تساهم في هذا التمويل من خلال تمسكها بالحفاظ على الأسعار مرتفعة.

ويرى مراقبون أن روسيا بالتفافها على اتفاق أوبك+ بشأن خفض الإنتاج تكون قد وجهت ضربة قوية لتحالفها مع السعودية، وأن ذلك قد تكون له تداعيات على علاقات البلدين في مجالات أخرى.

وتقول الكاتبة المتخصصة في الطاقة والتمويل فيليسيتي برادستوك إن “تحالف أوبك+ انتبه إلى اللعبة الروسية، مما يعني أن بوتين قد لا يكون قادرا على مواصلة هذا التكتيك لفترة طويلة”.

وتضيف برادستوك في مقال بموقع أويل برايس أن “الدول الأعضاء في أوبك+ بدأت تفقد ثقتها في روسيا بسرعة، حيث ورد أن وزير الطاقة السعودي قال إنه سئم من عدم تحقيق أعضاء المنظمة لأهداف إنتاج النفط وإنه يريد من روسيا المزيد من الشفافية بخصوص إنتاج النفط”.

وكانت الإمارات من الدول الأعضاء التي تحلّت بالصبر بينما تتطلع إلى زيادة مستويات إنتاجها. لكن إذا استمرت روسيا في خفض أسعار نفطها على حساب أوبك وفي تجاهل حصصها، فقد يزعزع ذلك تحالف الطاقة المستقر حتى الآن.

وينخفض سعر النفط رغم تخفيضات إنتاج أوبك بسبب صادرات النفط الروسية الكبيرة. ويشير هذا إلى أن روسيا قد تحتاج في النهاية إلى بيع خامها بخسارة للحفاظ على مستويات التصدير، على حساب اقتصادها وجهودها الحربية.

وقال ديفيد فايف، وهو كبير الاقتصاديين في منصة أرغوس ميديا، “نشهد تباطؤا حادا في النمو الاقتصادي في البلدان المتقدمة، وصولا إلى حافة الركود… ولا نتوقع أن يزداد الطلب الصيني على النفط كثيرا خلال الأشهر القليلة المقبلة. لذلك لن تشهد السوق توتّرا في النصف الثاني من العام الجاري”.

ومن أهم أسباب هذا التراجع أن روسيا استغلّت تخفيضات الإنتاج التي أقرتها أوبك الراغبة في رفع أسعار النفط الخام. وقوّضت موسكو هذه المنظمة من خلال توفير النفط الرخيص لاثنين من أكبر المستهلكين في العالم (الهند والصين). وإذا استمرت روسيا في هذه اللعبة، فمن غير المرجح أن تحافظ على دعم تحالف أوبك+ الذي لم يقرر حتى الآن إدانة هذه التصرفات أو معاقبة موسكو.

العرب