تبقى المصالح الدولية والأهداف السياسية المعيار الأساسي الذي تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية في علاقتها مع النظام الإيراني وسيعها لإيجاد حل لمعضلة البرنامج النووي الإيراني بما يحقق لها أهدافها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وعلاقتها مع شركائها وحلفائها في المنطقة العربية ويساهم في تحييد سياسة طهران الإقليمية في التوسع والتمدد والهيمنة وطبيعة علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن المتحقق على الميدان لا يتناغم وما تسعى إليه الإدارة الأمريكية فلا يزال السلوك الإيراني رهينة التجاذبات والمصالح الفئوية والحزبية في منظومة الحكم الإيراني بتباين الآراء حول استمرار العلاقة مع واشنطن أو التغاضي عن شروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو إبداء المرونة في التعامل بصيغ جديدة تحمي مكانة النظام الإيراني أمام مواطنيه وتخفف من ازماته الإقتصادية والإجتماعية.
وهذا ما نراه في حديث المرشد الأعلى علي خامنئي بتاريخ 14 حزيران 2023 في لقائه مع العاملين في البرنامج النووي والمسؤولين عنه بقوله ( انه بالامكان التوصل إلى إتفاق نهائي حول البرنامج النووي على أن لا يمس بالبنية التحتية للصناعات النووية ) وهو بذلك يعيد إلى الأذهان ما اتفق عليه من قبل مجلس الشورى الإيراني بما عرف ب(قانون العمل الاستراتيجي) بالحفاظ على منجزات الشعب الإيراني والتمسك بالإنجازات النووية واعتبارها مكسب للحفاظ على أمن وسلامة البلاد وحماية حقوق الإيرانيين والمساهمة في رفع العقوبات الاقتصادية واعتبارها الأساس في أي مفاوضات قادمة دون التنازل عن أي نقاط جوهرية تخدم الأطراف الأخرى، وعدم السماح مرة ثانية بقيام مفتشي الوكالة الدولية بتخريب وهدم أي منشأة نووية كما حصل في مفاعل (أراك) للماء الثقيل عندما أجبرت إيران وبناء على اتفاق اب 2015 على ملئه بمادة الأسمنت وكلفها امولاً طائلة وزمناً طويلاُ لإعادة تشغيله بعد قرارها خفض التزاماتها النووية بعد الانسحاب الأمريكي عام 2018 من الاتفاق النووي.
جاء حديث علي خامنئي ثمرة اللقاءات التي أجراها المندوب الإيراني في الأمم المتحدة(محمد سعيد ايرواني) مع المبعوث الخاص والمندوب الأمريكي(روبرت مالي) خلال لقاءهما في الأمم المتحدة، والمباحثات غير المباشرة في العاصمة العمانية (مسقط) بين بريث ماكغورك المسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقر كني والتي تركزت على ضرورة استخدام سياسية الحوار والدبلوماسية بعيداً عن التصعيد ولغة المواجهة على أن تبتعد إيران عن الوصول إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% وعدم تركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة .
رغم هذه اللقاءات والمباحثات إلا أن النظام الإيراني لم يغير من سلوكه الميداني وهدفه في الاحتفاظ بالمعرفة النووية حتى وان لم يتم إنتاج القنبلة النووية وغاية النظام هي زيادة قدرات إيران في الردع والمواجهة وهذا ما أكده رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية (رافائيل غروسي) في كلمته أمام مندوبي 35 دولة عضواً في مجلس محافظة الوكالة بقوله (ان الوكالة لم تتمكن من إجراء أنشطة التحقق والرصد لخطة العمل الشاملة المشتركة فيما يتعلق بإنتاج وجرد أجهزة الطرد المركزي والدوارات والمنفاخ والمياه الثقيلة ومركز خام اليورانيوم لمدة عامين في إيران، وأن مخزونها من اليورانيوم المخصب إرتفع بأكثر من الربع خلال ثلاثة الأشهر الماضية ليصل إلى(4744,1) كغم خلافا المسموح به وهو(202,8) كغم حسب الاتفاق الموقع في بين مجموعة (5+1) عام 2015، ورغم ما أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 15 حزيران 2023 بأنه لا يوجد اتفاق مع إيران وان التقارير عن ذلك خاطئة وهدف واشنطن منعها من امتلاك سلاح نووي يبقى أولوية لنا ، ألا أن سعي الإدارة الأمريكية لتعزيز موقف الرئيس جو بايدن في الانتخابات القادمة وموقفه الداخلي بالالتزام لإنهاء موضوع البرنامج النووي الإيراني فإن المتحدث باسم الخارجية الأميركية(مات ميلر ) رغم نفيه أي اتفاق مع إيران إلا أنه أكد(أن واشنطن تريد من إيران تخفيف حدة التوتر وكبح جماح برنامجها النووي ووقف دعمها لجماعات في المنطقة تنفذ عملياتها ضدنا ووقف دعمها للحرب الروسية ) وهذا موقف يحدد الآفاق المستقبلية لكيفية التعامل مع إيران ويؤكد سياسة التردد التي تتبعها الإدارة الأمريكية في علاقتها مع النظام الإيراني وعدم وجود ثوابت رئيسية في مواجهة السلوك الإيراني في الاستمرار بعلاقات مع موسكو وتعاونه العسكري بإرسال الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة للجيش الروسي، وتوسيع دائرة نفوذه الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط،وهذا ما طلبه الرئيس الفرنسي ماكرون باتصاله يوم يوم 10 حزيران 2023 بالرئيس ابراهيم رئيسي موضحا له قلق المجموعة الأوربية من التطور الحاصل في البرنامج النووي واستمرار تزويد إيران لروسيا بالطائرات المسيرة.
ولابد من الإشارة إلى أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قد أعلن في الثالث من نيسان 2023 ان الاقمار الصناعية رصدت وجود منشأة خاصة ترتبط بصناعة الطائرات المسيرة في منطقة(تتركستان) داخل الأراضي الروسية لإنتاج 6 آلاف طائرة مسيرة نوع شاهد 136 حتى تتمكن روسيا من الإعلان أنها المنتجة لها وتخفيف الضغط الدبلوماسي عن إيران ومنع المزيد من العقوبات عليها .
ان الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لإظهار نفسها أنها تعتمد سياسة الحوار والتفاهم وليس الاتفاق النهائي بغية إنهاء صفقة إطلاق سراح بعض المواطنين الامريكيين المحتجزين لدى إيران ورفع تجميد بعض الأموال الإيرانية لقاء إتمام هذه الصفقة ولكنها تتطلب موافقة الكونجرس الذي يعارض الكثير من أعضائه منح إيران أي مزايا بسبب مساندتها لروسيا ودعمها لوكلاء يهاجمون المصالح الأمريكية، في حين أن النظام الإيراني يرى في الحوار مع الإدارة الأمريكية استكمالا لمسار الانفتاح السياسي الذي ابتدأه بعودة العلاقات مع المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي ومصر واستيعاب حالة التوتر مع أذربيجان وهي سياسية يسعى فيها إلى ترميم العلاقات مع الدول المجاورة له ومحاولة التغلب على الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الإيراني ووضع حد المواجهات والاحتجاجات الشعبية وإيقاف التداعيات التي تهدد أمن وسلامة بقاء النظام وإعادة تصدي النفط الإيراني ورفع الحجز عن الأموال المجمدة وابداء المرونة في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة