الضغوط المعيشية تنغص على التونسيين موسم الأضاحي

الضغوط المعيشية تنغص على التونسيين موسم الأضاحي


يثير موسم الأضاحي لهذا العام الجدل بين الأوساط الشعبية في تونس بسبب زيادة الأسعار الجنونية للمواشي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وجعلت غالبيتهم يعزفون عن الشراء.

قابس (تونس) – يصطدم التونسيون مع اقتراب عيد الأضحى الأسبوع المقبل بجدار يمنعهم من شراء المواشي نتيجة الغلاء الذي لم تشهده البلاد من قبل جراء تراكم الأزمات التي نغصت عليهم معيشتهم.

وتتراوح أسعار الأضاحي بين 700 و1400 دينار (230 إلى 450 دولارا)، وقد سجلت هذه الأسعار زيادة بنسبة 26 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وفقا لأرقام رسمية.

ورغم الأزمات، يُصر كثيرون على شراء الأضاحي وذبحها في منازلهم للحفاظ على الشعائر الدينية والتقاليد الاجتماعية، حيث يعتبر ذبح “العلوش”، كما يُسمّونه في تونس، جزءًا أساسيا من احتفالاتهم بعيد الأضحى.

وفي خضم ذلك برزت مطالبات لبعض المنظمات ومؤسسة الإفتاء بالتخلي عن الأضاحي هذا العام لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتخفيف الأعباء عن الناس.

وقال طارق جراد (44 سنة) سائق سيارة أجرة بولاية (محافظة) قابس جنوب البلاد “هناك نقص في عدد الأضاحي المعروضة للبيع، وليس هناك مصداقية بالنسبة إلى الأسعار فضلا عن تشكيات المزارعين والمواطنين”.

وأضاف لـ”العرب”، “اضطررت لشراء أضحية صحبة العائلة بمبلغ 750 دينارا (242.5 دولار) وهناك زيادة بقيمة 150 دينارا على الأقل مقارنة بالسنة الماضية، وخيرت هذا الأمر نظرا إلى ضعف القدرة الشرائية مقابل زيادة الأسعار”.

وتابع “الكثير من التونسيين اضطروا إلى التداين أو الاقتراض من الأقارب والبنوك لشراء الأضاحي لإرضاء أبنائهم”.

وأعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية منذ الجمعة الماضي بداية صرف مساعدات ظرفية لفائدة 329 ألف أسرة منتفعة بالمنحة الشهرية بمبلغ يقدّر بنحو 19.7 مليون دينار (6.4 مليون دولار).

وتراجع عدد قطيع المواشي مقارنة بالسنوات الماضية بسبب غلاء الأعلاف ما دفع العديد من المزارعين إلى التخلي عن قطعان الأبقار قبل أن يتم تهريب عدد كبير منها إلى الخارج.

كما تعمقت الأزمة بتواصل حالة الجفاف في معظم مناطق البلاد ما أجبر السلطات قبل أسابيع على اعتماد نظام الحصص في توزيع مياه الشرب.

وتعلن السلطات الأمنية باستمرار عن رصدها لحالات سرقة مواش وضبط متهمين في هذه العمليات التي تصاعدت وتيرتها في السنوات الأخيرة.

ودفع غلاء الأسعار رئيس غرفة القصابين التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة أحمد العميري في فبراير الماضي إلى دعوة مفتي الجمهورية إلى إلغاء عيد الأضحى.

ويقول المؤيدون له إن المغرب سبق له أن أصدر فتوى مماثلة وتجاوب الناس معها وامتنعوا عن ذبح الأضاحي طالما أن ذلك في صالح البلاد في وجود خطاب سياسي وديني واضح، داعين إلى دعم هذه الفتوى سياسيا وإعلاميا حتى يقتنع الناس بها في تونس.

وحذر أحمد العميري من “الزيادة في أسعار اللحوم بسبب النقص في القطيع”، موضحا أن “تونس ستضطر للاستيراد من أجل عيد الأضحى”، وأن “أسعار الأضحية ستكون في معدل 1300 دينار (413 دولارا) وذلك سيؤثر سلبا على قطاع اللحوم”.

وليست هذه المرة الأولى التي تصدر فيها دعوات لإلغاء شعيرة العيد بتونس، لكن المفتي الراحل عثمان بطيخ رفض الأمر في 2021، قائلا إنه “من غير الممكن إلغاء شعيرة عيد الأضحى فهي سنة مؤكدة”.

وكان ذلك ردا على دعوات طالبت آنذاك بالتبرع بأثمان الأضاحي للمؤسسات الصحية لمساعدتها على مواجهة كورونا.

ويقدر الاستهلاك السنوي في هذا الموسم بنحو 950 ألف أضحية، وفق أرقام سابقة للمنظمات الزراعية.

وأفاد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك عمار ضية أن زيادة الأسعار كانت أمرا منتظرا في ظل التضخم وتصاعد مستوى أسعار الأعلاف وشكاوى المزارعين.

وقال لـ”العرب” إن “المنظمة اتفقت مع بقية الأطراف المتداخلة على تحديد السعر المرجعي للكيلوغرام الواحد من اللحم عند 17.8 دينار (5.7 دولار) ومع ذلك هناك تذمر بسبب غلاء الأضاحي”.

وأضاف “العائلات أرهقتها هذه المناسبات، كما يوجد شقّ كبير من الأسر أصبحت عاجزة عن شراء الأضحية لأن دخلها الشهري أقل من ثمن خروف، والعملية أصبحت شبه مستحيلة”.

وتابع ضية أن “توفير أضحية ليس أمرا منفردا، بل هناك مناسبات أخرى ترهق العائلات على غرار موسم الصيف والعودة المدرسية، ما يدفعها أكثر نحو الاقتراض”. وأكد أنه يجب أن يكون المستهلك عقلانيا عند شراء الأضحية وحسب ما يملك من أموال.

ويرجع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، أكبر نقابة للمزارعين بالبلاد، زيادة أسعار المواشي إلى عوامل من بينها ندرة الأمطار وتراجع المراعي وغلاء الأعلاف الموردة.

وقال فوزي الزياني الخبير في السياسات الزراعية إن “غلاء أسعار الأضاحي يعتبر أمرا عاديا لأن كلفة الإنتاج تزايدت بشكل كبير (اليد العاملة والمحروقات والأعلاف)”.

وأوضح لـ”العرب” أن تونس تستورد في حدود 90 في المئة من الأعلاف (الصوجا، الذرة والشعير العلفي)، وتتأثر بشكل كبير بالأسعار العالمية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية.

ولفت إلى أن القدرة الشرائية للتونسيين تراجعت، والأضحية التي كان سعرها قبل ثلاث سنوات في حدود 600 دينار (194 دولارا) تضاعفت تقريبا وأصبحت في حدود 1200 دينار.

ودعا الزياني إلى ضرورة التفكير في حلول منطقية لتجاوز هذه الأزمات والملاءمة بين توفير الأضحية ودخل الأسر، على غرار الشراكة في شراء الأضحية بين شقيقين أو بين الأب وابنه، في ظل وصول سعر الكيلوغرام إلى 42 دينارا (13.64 دولارا).

وتنتج تونس سنويا 120 ألف طن من اللحوم الحمراء، لكن معدل استهلاك الفرد تراجع من 11 كيلوغراما سنويا قبل 2011، إلى 9 كيلوغرامات حاليا، وهو من أضعف المعدلات العالمية، التي تؤكد تأثير تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين على نوعية وجودة الغذاء.

وسعيا للمزيد من التحكّم في الأسعار وتعديل السوق وحماية المقدرة الشرائية للمواطن لجأت السلطات في سنوات سابقة إلى توريد الخرفان من رومانيا وإسبانيا سنتي 2012 و2013.

وسبق أن قالت وزارة التجارة إنها استوردت حوالي 9700 رأس غنم من رومانيا بمناسبة عيد الأضحى.

وأوضحت الوزارة في بيان لها أن “عملية استيراد الأضاحي تأتي في إطار سعي الدولة للمزيد من التحكّم في الأسعار وتعديل السوق وحفاظا على المقدرة الشرائية للمواطنين”.

وقبل عشر سنوات استوردت تونس أضاحي من إسبانيا، وعللت وزارة التجارة حينها هذا الاختيار بالقرب الجغرافي وبتشابه فصيلة الخرفان.

 

العرب