نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للمبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط دينس روس قال فيه إن اتفاقية نووية إيرانية قد تكون وشيكة.
وتساءل إن كانت استراتيجية إدارة بايدن من الطموحات الإيرانية النووية تنحرف وبشكل خطير من المنع إلى الاحتواء؟
وظهرت تقارير تتحدث عن مناقشة الإدارة والإيرانيين اتفاقيات جديدة قد تقود نظريا للحد من البرنامج الإيراني. وفي الوقت الذي نفت فيه الإدارة أي صفقة إلا أن مسؤولا فيها اعترف بوجود محادثات غير مباشرة مع الحكومة الإيرانية في عمان.
ولم يكن الإيرانيون خجولين، فقد زعم حشمة الله فلاحتبشي، مسؤول لجنة السياسة الخارجية والأمن السابق في البرلمان الإيراني بوجود تفاهمات غير مكتوبة تم التوصل إليها. وتقوم إدارة بايدن بموجبها بإغلاق عينها عن بعض صفقات الطاقة الإيرانية وتسمح بالإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة، مقابل توقف إيران عن توسيع برنامجها النووي أبعد من المستوى الحالي”.
وألمح المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي في الأسابيع الماضية عن “مرونة بطولية” وقال إن الصفقة مع الغرب مقبولة طالما لم تمس البنى التحتية النووية الإيرانية. ويشبه خطابه الحالي ذلك الذي برز منه عام 2015 عندما تم توقيع الاتفاقية الأصلية، اتفاقية العمل المشتركة الشاملة. وفي مقابلات مع مسؤولين إسرائيليين في الفترة الأخيرة سمعت نقاشات حول قرب اتفاقية نووية محدودة وأنها باتت في الأفق. وستكون معالمها كالآتي: لن تخصب إيران اليورانيوم أعلى من نسبة 60% ولا تضيف على المستوى الذي وصلته حاليا. وتفرج إيران عن مواطنين أمريكيين- إيرانيين تعتقلهم. بالمقابل لن تفرض إدارة بايدن عقوبات جديدة على النظام وتعرض إعفاءات تسمح لطهران كي تحصل على حوالي 20 مليار دولار من الأموال المجمدة.
ويبدو أن هذه الجهود أثمرت نتائج، فقد أشار عدد من المسؤولين الإسرائيليين لقرار إدارة بايدن السماح للعراقيين بالإعفاء من العقوبات ودفع دين للإيرانيين قيمته 2.76 مليار دولار عن النفط والغاز الذي صدرته إيران له. ووصلت إيران مستوى 60% من تخصيب اليورانيوم وهو مستوى وصفه مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية رفائيل غروسي بأنه ليس مبررا لأهداف مدنية.
ولو واصل الإيرانيون عمليات التخصيب فسيكون لديهم كميات من المواد الانشطارية الكافية لصناعة 10 قنابل بنهاية 2023.
ويشعر الإسرائيليون بالقلق وبخاصة المواد الانشطارية التي تقرب من إنتاج القنبلة. وقوت إيران من بنيتها التحتية النووية وجعلتها أقل عرضة للغارات الجوية. ولأنها في وضع تستطيع فيه إنتاج القنابل من المنشآت النووية فستكون غير معرضة للهجوم وتحرم إسرائيل من الخيار العسكري ومنع التهديد الإيراني.
وفي ضوء تاريخ “الدولة اليهودية”، فلن تجلس أي حكومة تنتظر لكي تخسر الوسائل العسكرية التي تمكنها من منع تهديد وجودي. ومن الواضح أن إدارة بايدن تحاول تأخير النزاع المفتوح في الشرق الأوسط، ولكن هل الاتفاق الذي يتم التفاوض عليه كاف لمنعه؟
وعبر مسؤول بارز في الإدارة عن تهديدهم إيران بعقوبات شديدة لو وصل مستوى التخصيب إلى 90% (أي درجة إنتاج القنبلة)، وهذا جيد، لكن التقدم من 60% إلى 90% لا يحتاج إلا لوقت قصير. كما أن تجميد التخصيب لنسبة 60% يعني أنه صار مقبولا مع أن الهدف منه ليس إلا إنتاج القنابل. وأكثر من هذا فلو كان هذا هو المستوى في منشآت نووية عصية على الاختراق فإن إيران تستطيع إنتاج القنبلة النووية في أي وقت تشاء.
كما أن السماح للإيرانيين بالحفاظ على مستوى 60% وبناء منشآت منيعة يعني أن الولايات المتحدة غيرت نهجها من الشرق الأوسط. وبدلا من منع طهران الوصول إلى مستويات كهذه، فالقبول بنسبة 60% هو بمثابة قبول بالوضع القائم واعتماد أمريكا على الردع لا المنع، وستتحول من سياسة المنع إلى سياسة الاحتواء. وموقف كهذا لن يضمن إلا انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط. وقال السعوديون إنهم سيحصلون على السلاح النووي لو حصلت إيران عليه، وبالتأكيد لن تظل تركيا أو مصر في الخلف.
وانتشار للأسلحة النووية لا يمكن السيطرة عليه هو آخر ما يريده العالم وفي وقت خفض فيه فلاديمير بوتين العتبة النفسية لاستخدام السلاح النووي. ويجب أن تشكل إدارة بايدن الاتفاق حول المنع لا الاحتواء. ويجب أن تجعل التفاهم محدودا بنهاية الولاية الأولى لبايدن. ثانيا، يجب أن يكون بايدن واضحا، في السر والعلن، بأنه لو تحركت إيران أبعد من التفاهمات هذه فلن يتردد عن ضرب وتدمير 40 عاما من الاستثمار في البنية التحتية النووية الإيرانية. وثالثا، على الولايات المتحدة القيام بمناورة عسكرية في المنطقة تتدرب فيها على ضرب الأهداف المنيعة وتأكيد جديتها.
ولو أرادت الولايات المتحدة وقف الدافعية الإسرائيلية للقيام بعمل خوفا من خسارة الخيار العسكري فعليها أن تقدم لهم الأساليب من الآن وحتى 2025، مثل القذائف التي تخترق الصخور والتزود بالوقود جوا، مما يعني أن إسرائيل لن تحتاج للتحرك حالا وسترسل رسالة لإيران أنها لو خرقت التفاهم أو ضغطت باتجاه التشدد فإنها لن تمنع الإسرائيليين. وعلى إدارة بايدن إعادة ملء 180 مليون برميل نفط أخذتها من الاحتياطي الإستراتيجي حتى تكون أمريكا جاهزة لأي نزاع في الشرق الأوسط.
ويبدو هذا الكلام دعوة للحرب من أجل تفاهم يهدف لخفض التوتر، ولكن الواقع هو أنه يجب موازنة المكافأة بالتهديد. ويمكن تجنب حرب خطيرة، لكن سياسة الاحتواء بدلا من المنع قد تسرع من حدوثها وللأسف.
القدس العربي