يعرّف سلوان موميكا، المهاجر من بلدة بخديدا شمال العراق عن نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي بأنه «مفكر وكاتب – ملحد» وبأنه عضو في حزب ديمقراطيي السويد، و«الاتحاد السرياني الديمقراطي» وقد كتب في أحد منشوراته مؤخرا إنه سيحرق المصحف أمام الجامع الكبير في ستوكهولم لأن الكتاب «يشكل تهديدا للقيم السويدية والحرية والقوانين وحقوق الإنسان» في مفارقة سوداوية كبيرة حيث يُدعى لحرق كتاب (يؤمن به مئات الملايين) باسم «حرية التعبير».
جرى الحرق بعد دعوى قضائية رفضت فيها محكمة الاستئناف قرار الشرطة بمنعه، وبذلك تتكرر حادثة حرق نسخة من المصحف، التي قام بها العنصري الهولندي الكاره للإسلام والمسلمين راسموس بالودان أمام السفارة التركية في السويد في كانون ثاني/يناير الماضي مما أثار موجة ردود أفعال عالمية غاضبة ودفع تركيا لتشديد موقفها من قضية عضوية السويد في حلف الناتو.
حسب تقييم المحكمة فإن «المخاطر الأمنية التي نراها من حرق المصحف لا يمكن أن تكون سببا لرفض الطلب حسب القانون الحالي» رغم تقديم جهاز الأمن السويدي وثائق تفيد بأن تهديدات الهجوم ضد السويد والمصالح السويدية زادت وستستمر في الزيادة نتيجة ردود الفعل الداخلية والخارجية.
يعني هذا، ببساطة، تجريد مفهوم «حرية الرأي» عن طرق اشتغاله في الواقع، وجعله أكثر أهمية من مصالح السويد، المتوجسة من إمكانيات أعمال عداء روسية ضدها (وهو أمر ساهم في تعزيز الركود الاقتصادي وانخفاض العملة وانخفاض أسعار العقارات، واستدعى رفضا تركيا لدخولها في حلف «الناتو») وكذلك أكثر أهمية من مصالح السويديين، لأن الحادثة المذكورة تعني السماح بتأجيج نزاعات ذات طبيعة عنصرية ـ دينية ضد المسلمين، الذين يشكلون قرابة 10٪ من سكان البلاد.
من المعلوم أن «حرية الرأي» هي إحدى الأعمدة الأساسية للديمقراطية، وهي الحرية التي تحت مظلتها يقنّن انتقاد وسائل الإعلام للسلطات التنفيذية، ويشرّع فضح أشكال الفساد والجرائم التي يسعى الأقوياء سياسيا أو ماليا لمنع كشفها، والتي تضمن للجماعات والأفراد التعبير عن آرائهم التي لا تنسجم، بالضرورة، مع مصالح الحكومة والأمن والقضاء.
لا تتعلّق المسألة، حسب القضاء السويدي إذن، بالدفاع عن شخصين موتورين، الأول منهما، بالودان، المحكوم جنائيا والمدان بعدة قضايا عنصرية، والثاني متهم، خلال قيادته لفصيل مسلح في العراق كان منضويا تحت «الحشد الشعبي» بانتهاكات وجرائم حرب، بل بالدفاع عن بند ما ومسألة «قانونية» بحت، كما لو أن القانون هو مساجلة أكاديمية في الهواء الطلق وليس مبادئ للدفاع عن البشر ومصالح البلد وسكانه.
فصل الحريات عن طرق اشتغالها المعقدة في الواقع، مثلما يحصل مثلا عندما لا تتضمن «حرية التعبير» التشكيك بالهولوكوست، وفصم القانون عن الأحكام الإنسانية البديهية يجعل من بعض هؤلاء القضاة مدافعين ضمنيين عن الاتجاهات اليمينية المتطرّفة في بلادهم وفي العالم، وسندا لحفنة من الموتورين المجرمين، وأداة ضد مصالح بلادهم وشعوبهم.
ما يحصل ضمن القارّة الأوروبية، خصوصا، هو اشتداد قوة الاتجاهات العنصرية وتحوّلها إلى تيارات شعبية وهو ما ينعكس، بالضرورة، في إجراءات الدول وتشريعاتها وقضائها، ولكنّ أسوأ ما في الأمر أن تلك الدول تستخدم شعارات الديمقراطية والحريات والعلمانية ضد الأقليات، وخصوصا المسلمين.
القدس العربي