اقتحام جنين مجددا: أي أفق للفلسطينيين؟

اقتحام جنين مجددا: أي أفق للفلسطينيين؟

اختار الجيش الإسرائيلي، المهووس بوضع عناوين سينمائية لهجمات القتل والقصف والتدمير والاعتقالات، تسمية حملته الأخيرة على مخيم جنين بحملة «بيت وحديقة».
تحت جنح الليل، حرّك جيش الاحتلال في تلك الحملة نحو ألف آلية ومدرعة وجرافة وآلاف الجنود ووحدات القنص والطائرات المسيرة، وقطع كابلات الكهرباء وكسر مواسير الماء.
واجه سكان المخيم، إرهاب المحتلين المتكرر، ومع أصوات القصف والأزيز والمداهمات والاشتباكات عانت العائلات وأطفالها من انقطاع الكهرباء والماء ونفدت الاحتياجات الأساسية والخبز، وأمر المحتلون العديد من السكان بالخروج من منازلهم فغادر الآلاف، ليتحولوا إلى مشردين وليعيشوا مجددا نزوحا مؤقتا ضمن حال النزوح الدائم الذي يقيمون فيه منذ لجوئهم، داخل وطنهم، منذ 56 عاما.
تحدّث جيش الاحتلال عن «عملية أمنية» استهدف فيها «البنية التحتية» و«مخازن سلاح» وعن قتل «12 إرهابيا» واعتقال 150، لكن ما رآه الناس هو تدمير موسع للمخيم، وتعامل همجي مع المحتجين وأغلبهم من الفتيان، واستهداف «الجيش الفتاك» لأولئك بالقوة الهائلة، مما استدعى مذيعة في بي بي سي لسؤال نفتالي بينيت، رئيس وزراء إسرائيل السابق، إن كانت «إسرائيل سعيدة لقتل الأطفال».
ربطت بعض الصحف الغربية اليسارية، كـ»الغارديان» الحدث بالضعف السياسي الذي يحيط بحكومة بنيامين نتنياهو وبتهور حلفائه (بن غفير وسموتريتش) وبجموح هؤلاء الكبير إلى حرب شاملة ضد الفلسطينيين يتم خلالها تطهير جماعي لهم وضم للضفة الغربية وفتحها لعصابات المستوطنين، وهذا ما يرمي إليه جيش الاحتلال عمليا من عنوان «الحديقة والبيت».
يمكن تأويل مثال مخيم جنين بطريقتين: الأولى هي أنه تحوّل إلى موقع مقاومة كبيرة لا يمكن اجتيازها عسكريا إلا بأكلاف باهظة جدا، والثانية، هي أنه المبرّر الذي سيستخدمه مجانين العنصرية المتطرفون الذين صاروا يحددون مسارات سياسات الحكومة الإسرائيلية.
تدفع الخطط الإسرائيلية، التي لم تتوقف، الفلسطينيين إلى خيارات يائسة، فمسار الدبلوماسية يبدو فاشلا، وخصوصا مع تكلّس مؤسسات السلطة وتوقف سياق الانتخابات، ومسار المواجهة لا يوقف آلة الموت، وخصوصا مع الدعم الأمريكي والغربي الذي لم يتوقف.
لا يجد أمثال بن غفير ـ سموتريتش مكانا للقيادة الفلسطينية الحالية، ولا حيز في خططهم للتسوية السياسية، وكان رئيس حكومتهم، نتنياهو، واضحا في تصريح أخير له في الرغبة باستئصال الدولة الفلسطينية. أما القول إنه يرغب في استمرار القيادة الفلسطينية الحالية قوية لتأدية مهام محددة فهو قول يناقض نفسه لأنه يضعف هذه القيادة ويقوّي «حماس» و«الجهاد».
يجد الفلسطينيون أنفسهم في صراع غير متناسب البتة، وظهرهم إلى الحائط، فالدول العربية المطبّعة تتزايد، والدول الأخرى منهمكة بكوارثها، والعالم مشغول بالصراع الأوكراني وقضايا المهاجرين إلى أوروبا والحرب المقبلة مع الصين.
الأفق الوحيد الذي يمكن أن يكون مفتوحا للفلسطينيين هو في اتفاق قياداتهم على مبادرات تتعاطى بإيجابية مع توازنات العالم والمنطقة العربية. مطلوب حراك ديمقراطي حقيقي يبث الحيوية في المؤسسات الفلسطينية والفصائل ومواجهة حقيقية مع الوقائع وليس الشعارات.

القدس العربي