الفيدرالية أم موقع متقدم لإيران؟ لماذا يريد حزب الله السيطرة على القرنة السوداء

الفيدرالية أم موقع متقدم لإيران؟ لماذا يريد حزب الله السيطرة على القرنة السوداء

بيروت – عمت أجواء الحداد في بلدة بشري في شمال لبنان لدى تشييع جثماني الضحيتين هيثم ومالك طوق اللذين أُرديا قتيلين، من مسافة قريبة لدى تفقدهما أملاك عائلتهما في المنطقة. ولكن السؤال الذي ظل معلقا هو لماذا يريد حزب الله أن يفرض سيطرته على هذه المنطقة؟ وهل المسألة مسألة أراض وموارد للمياه للمزارعين المتنافسين بين بشري وبلدة بقاع صفرين الخاضعة لسيطرة حزب الله أم أن هناك دوافع أخرى أهم؟

ويقول مراقبون إن جانبا من الجواب يمكن أن يتضح من حقيقة أن القرنة السوداء هي أعلى قمة في بلاد الشام وتقع في جبل المكمل في قضاء الضنية. ويبلغ ارتفاع القمة عن سطح البحر 3093 م. وهو ما يضفي عليها أهمية عسكرية استثنائية. فعلى الرغم من أن القمة تتوسط المسافة تقريبا بين شرق لبنان وغربه، وتبدو بعيدة نسبيا عن إسرائيل، حيث يمتلك حزب الله قواعد عسكرية في جنوب لبنان قريبة من الحدود معها، إلا أن ارتفاع القرنة السوداء يضفي عليها أهمية خاصة لأجهزة التنصت وأعمال المراقبة الجوية، وتمنح الطرف الذي يسيطر عليها إطلالة “ميدانية” على كامل مساحة شمال لبنان، وصولا إلى بيروت في وسط البلاد، ومن ثم إلى جنوب لبنان، الذي تغير عليه الطائرات الإسرائيلية من حين إلى آخر.

وفي حال تمكن حزب الله من فرض إرادته على المنطقة، كما هو الحال بالنسبة لمعظم مناطق جنوب لبنان، فإن ذلك يمكن أن يؤدي في النهاية إلى إبعاد الجيش اللبناني عنها، وتحويلها إلى منطقة مغلقة أمنيا. ويمتلك حزب الله عدة وسائل لضمان هذه النتيجة من خلال نفوذه الدائم داخل الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى، بحيث يضمن أن تتحول المنطقة من أرض زراعية وجرود للرعي إلى منطقة عسكرية يتحكم بها ضباط إيرانيون، فتكون بهذا المعنى موقعا عسكريا متقدما لإيران.

انفراط عقد الأمن في البلاد وانهيار الحكومة سوف يجعلان من الممكن لصواريخ حزب الله أن تنتقل إلى القرنة السوداء، لتضع مناطق جبل لبنان كلها تحت التهديد المباشر

وأحد أفضل الضمانات لتحقيق هذا السيناريو هو أن يكون سليمان فرنجية رئيس لبنان، لأنه “يحمي ظهر المقاومة”.

وهذه الأهمية “العسكرية”، لا تقل شأنا عن الطموحات التي يقول بعض اللبنانيين إنها ترسم ملامح تحركات حزب الله، في ما يخص أزمة البلاد الاقتصادية وأزمة الفراغ الرئاسي. فالدولة الموازية التي يقودها حزب الله تحتاج إلى أن تصبح كيانا رسميا من خلال مشروع الفيدرالية، بحجة أن الحكومة المركزية عاجزة عن إدارة شؤون البلاد، وأن الفراغ الرئاسي يدفعها إلى المزيد من الهاوية التي هي فيها أصلا. وهذه الدولة الموازية تحتاج إلى أن تسيطر على أعلى قمة البلاد، لكي تحولها إلى حصن دفاعي يضع ثلاثة أرباع البلاد، وخاصة الجزء المسيحي منه، تحت مدى النيران مباشرة.

ويضيف المراقبون أن هذا السيناريو الذي يبدو اليوم غير واقعي، بحكم أن ملكية المنطقة لا تزال سجالا بين بشري (المسيحية) وبلدة الضنية (السنية)، إلا أن انفراط عقد الأمن في البلاد وانهيار الحكومة سوف يجعلان من الممكن لصواريخ حزب الله أن تنتقل إلى القرنة السوداء، لتضع مناطق جبل لبنان كلها تحت التهديد المباشر.

وتقول الكاتبة والصحافية اللبنانية سناء الجاك إن “لدى فريق كبير من اللبنانيين هواجس حيال هذه المسألة، التي تتجاوز الظاهر في أبعادها إلى باطنية خطة محكمة ترمي إلى السيطرة العسكرية على البلد بأكمله بما في ذلك المرتفعات والجرود، سواء في منطقة عرسال ذات الأغلبية السنية على الحدود الشرقية/الشمالية مع سوريا، حيث اِفْتُعِلَت، قبل سنوات، قضية إرهاب مشكوك بأمرها ومساراتها وأسفرت عن تسهيل ‘حزب الله’ خروج الإرهابيين في باصات مبردة، ومن ثم وضع اليد على المنطقة، أو في القرنة السوداء حيث الحدود الشمالية، أو في عمق جبل لبنان في جرود جبيل حيث المنطقة التي تطل سفوحها الشرقية على البقاع. ما يعني ربط المناطق اللبنانية من قممها بخطوط عسكرية تؤمن انتقال مقاتلي ‘حزب الله’ وقوافل إمداداته وسع الأراضي اللبنانية ومنها إلى سوريا”.

وتصبح الصورة واضحة أكثر عندما يسود الحديث بين الأوساط السياسية اللبنانية عن “وأد الفتنة”، لأن حزب الله، وهو القوة المسلحة الوحيدة التي تمتلك القدرات على تحدي قوة الجيش اللبناني، يدفع عناصره إلى ارتكاب اعتداءات على الأراضي والممتلكات في المنطقة من أجل أن يرفع المسيحيون السلاح، فيرفع ضدهم سلاحا أكبر ويبدأ بنقل صواريخه من جنوب لبنان في مواجهة إسرائيل، إلى تلك المنطقة لكي يواجه المسيحيين ويتكفل بتحييد السنة في البداية قبل أن ينقض على أراضيهم في وقت لاحق.

وفي بشري اقترنت أجواء الحداد بدعوات إلى ضبط النفس، فقط لأن هذا هو “السيناريو المسكوت عنه” الذي يحاول حزب الله أن يمضي وفقا لمقتضياته.

وتحاول قيادة الجيش، من خلال توليها التحقيق في مقتل هيثم ومالك طوق، أن تفرض وجودها في المنطقة. وهذا ما يركز عليه نواب بشري والضنية على وجه الخصوص، على اعتبار أن وجود الجيش في المنطقة، بصرف النظر عن نتائج الخلاف العقاري، يوفر نوعا من ضمانة بأن حزب الله لن يسعى إلى التمدد من خلال الفراغ الأمني، ولا أن يفرض إرادته بإثارة نزاع مسلح أوسع نطاقا.

وكان النائبان ستريدا طوق جعجع وملحم طوق نائبا منطقة بشري، قد أكدا ضرورة التزام المواطنين بعدم إطلاق الرصاص خلال مراسم جنازة الفقيدين، وطالبا بتأهب واستنفار الأجهزة الأمنية والقضائية والعسكرية كافة لإنهاء التحقيقات بأسرع وقت ممكن. ولكن لسان الحال يقول إن الجيش يجب أن يبقى في المنطقة ولا يغادرها لأي سبب من الأسباب.

العرب