اخذت العلاقات الروسية الإيرانية بالنمو والتقدم خلال السنوات الماضية لطبيعة التحالفات والمصالح المشتركة التي جمعت البلدين في أماكن الصراع الإقليمي الدولي، وشهد الميدان السوري تفاعلاً مشتركاً وتنسيقاً أمنياً عسكرياً عالمياً في ديمومة التواجد الميداني لهما بما يحقق حالة من التوازن الاستراتيجي في المصالح والأهداف التي يسعى إليها الطرفان وأمتدت علاقتهما في التنسيق المشترك في اجتماعات الأستانا الخاصة بالوضع السوري والتوافق في الرؤى السياسية لمعالجة التطورات في المشهد العام على الأراضي السورية، وأمتدت حالة التوافق بين البلدين وأخذت مساحات واسعة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018 وفرض العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني الذي اعتمد سياسة التوجه نحو الشرق في توطيد علاقته مع روسيا والصين وتنسيق المواقف وعقد الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والتجارية طويلة الأمد.
ألقت الحرب الروسية الاوكرانية ظلالها على أفاق العلاقة الوطيدة بين موسكو وطهران التي أخذت جانباً من التعاون العسكري والأمني والدعم الواضح لمواقف القيادة الروسية في نزاعها مع أوكرانيا، الأمر الذي وصل إلى قيام النظام الإيراني بتزويد الجيش الروسي بطائرات مسيرة نوع شاهد136 والتي استخدمت في الميدان العسكري مع كييف وأحدثت أثراً بالغاً في معادلات المواجهة العسكرية.
أحدث التوجه الإيراني معارضة شديدة من الولايات المتحدة الأمريكية التي هددت بزيادة العقوبات على إيران كما لاقت امتعاضاً من دول الاتحاد الأوربي االذي أصدر بياناً في الثلاثين من تموز 2023 اتهم إيران بالمساعدة في استمرار الهجوم العسكري على أوكرانيا.
ثم جاءت زيارة قائد قوى الأمن الداخلي الإيراني (احمد رضا رأدان) إلى روسيا بداية شهر تموز 2023 والتي التقى فيها مع (فيكتور زول توف) امين مجلس الأمن القومي وقائد الحرس الوطني الروسي لتعطي أفاقاً جديدةللعلاقة بين البلدين وتأخذ منحى مهم في تطور مستوى العلاقات الأمنية وتوقيع اتفاقيات لتبادل الخبرات ومكافحة الإرهاب والتطرف.
يمكن ملاحظة ان العلاقة الأمنية بين روسيا وايران توسعت ولاقت اهتمام وحرص الطرفين على مواجهة أي تهديدات خارجية وداخلية تؤثر على مستقبل النظام السياسي في البلدين خاصة بعد أن أخذت المواجهات والاحتجاجات الشعبية بالاتساع في إيران في منتصف شهر أيلول 2022 ومقتل الشابة الكردية (أميني) وتصاعدحدة المطالبة الشعبية بالتغيير والإصلاح وإيجاد الحلول للازمات الاقتصادية وظاهرة الفقر والبطالة والتضخم المالي، كما وأنها جاءت بعد تصاعد حدة المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا وهذا ما تم في الاتصال الهاتفي بين الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي والروسي بوتين الذي أكد على دعم إيران لجميع الاجراءات والوسائل التي اتخذتها القيادة الروسية في مواجهة تمرد (عناصر فاغنر) والتي كانت ردا على كلمة (نيكولاي باتروشف) سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي الذي اشاد بالمواقف التي قام بها النظام الإيراني في مواجهته للأحداث التي جرت في ايران مؤخرا.
اخذت العلاقات بين روسيا وايران منعطفات عديدة اهمها ما ابدته الصين وروسيا في قبول عضوية إيران في منظمة شنغهاي للتعاون والأمن بدورتها 23 التي عقدت في الهند في الرابع من تموز 2023 والتي يتكون اعضائها من (روسيا والصين والهند وباكستان وأوزبكستان وقيزغستان وطاجكستان وكازخستان) والتي تعيدايران لمكانتها الإقليمية وتمنحها دوراً رئيسيا في التحالفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وتحقق لها مجالاً اقتصادياً لمواجهة العقوبات الأمريكية وحل ازماتها الداخلية.
لاقى قيام طهران بتزويد موسكو بالطائرات المسيرة معارضة أوربية أمريكية ادت إلى فرض عقوبات على الافراد والكيانات الإيرانية وتصاعد لغة التهديد بتمديد الفترة الزمنية التي فرضت على إيران بعدم تطوير برنامج الصواريخ البالستية التي تنتهي في شهر تشربن الأول 2023 والتي اقرت بمدة ثماني سنوات حددها الاتفاق النووي عام 2015، وبسبب الدعم الإيراني المقدم للجيش الروسي واحتمال قيام طهران بإرسال الصواريخ بعيدة المدى فإن من الممكن توجه واشنطن ودول الترويكا الأوربية إلى مجلس الأمن الدولي وتفعيل العقوبات ضد إيران والتي تتم دون أي اعتراض واستخدام الفيتو من قبل أي عضو في المجلس وهذا يعني عدم استطاعة روسيا والصين بتعطيل اي قرار ضد النظام الإيراني.
تزامت هذه التطورات مع الانباء التي اشارت إلى انشاء مصنع جديد لصناعة الطائرات المسيرة في جمهورية تتراستان الروسية عبر مؤسسة الباتروس وهي شركة عاملة في موقع رئيسي للتعاون بين روسيا وايران لإنتاج طائرات استطلاع مسيرة والتي استخدم منها بواقع 50 طائرة في مواجهات شرق أوكرانيا.
مؤسسة الباتروس مجموعة روسية كانت متخصصة سابقا في تكنولوجيا الزراعة وقامت ببناء مصنعها الجديد داخل منطقة (الأيوغا) الاقتصادية الخاصة في جمهورية تتراستان والذي اعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية بؤرة الجهود لتطوير قدرات روسيا في صنع الطائرات المسيرة.
تبقى العلاقات القامة بين روسيا وايران محل اهتمام ومتابعة من قبل واشنطن والمجموعة الأوربية بسبب المواجهة المستمرة بين أوكرانيا وروسيا والدعم التام من قبل النطام الإيراني لحليفه الروسي في كافة المجالات وأهمها الطائرات المسيرة وإمكانية وصول الصواريخ البالستية إلى ميدان المواجهة العسكرية على جبهة القتال الروسية الاوكرانية، وهذا ما افصح عنه جون كيربي المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بقوله(نحن قلقون من أن موسكو تعمل مع إيران على إنتاج طائرات إيرانية بدون طيار من داخل روسيا).
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية