ربما صار إقرار موازنة 2023 مفتاح الصراع في محافظة الأنبار، رغم أنها تنعم باستقرار أمني واضح، لكن هذا لم يمنع الخاسرين في الانتخابات الماضية من إجراء محاولات تشويش عليها، لغرض العودة إلى المشهد من جديد بشعارات اعتاد الأنباريون، وغيرهم من العراقيين، على سماعها في خطابات قادة وسياسيين ليس لهم إنجاز على أرض الواقع سوى الحديث عن محاربة الفساد وإنهاء الهدر المالي في المحافظة.
الأنبار، ومنذُ سنين، بدأت بالتموضع بمراتب متقدَّمة، في ملفات الإعمار والبناء، وحتَّى في قضايا تحوّل الدولة إلى نظام الحوكمة، وغيرها من الملفات. إذاً، لماذا التركيز الإعلامي الآن، على محافظة الأنبار من بين جميع المحافظات العراقية الأخرى؟
نبدأ الجواب برشقة من الاستفسارات: هل الفساد فيها أقوى أم سيل اللعاب على التخصيصات القادمة هو من أجج الصراع؟ أم أن التنافس على موقع المحافظ وبعض المفاصل الأخرى مفاتيح للوصول إلى قضم أكبر عدد من مقاعد مجالس المحافظات المقرر إقامتها نهاية العام الجاري 2023؟ أم أن هناك أجندات خارجية في أفق الصراع الدولي تبحث عن متنفس جديد لإفراغ شحنة الصراع في صدر المحافظة وإعادة سيناريو 2014 المشؤوم في ذاكرة أهالي المحافظة؟
قبل أن نخوض في تفاصيل تلك المنافسة يجب تسليط الكاميرا ولو قليلاً على ما جرى من تظاهراتٍ خرج فيها مقلِّدو الطريقة الصوفية “الكسنزانية” في محافظة الأنبار. هؤلاء المُقلِّدون جمهورٌ مكَّن شيخ الطريقة الحالي، نهرو محمد عبدالكريم الكسنزاني، من الاحتفاظ بمقعد أو مقعدين، وربما ثلاثة في مجلس المحافظة، والتي سهَّلت له استخدامها كبيضة قبان لترجيح كفة الجهة المُرشِّحة لمنصب المحافظ.
◙ ما يحدث “كسنزانياً” اليوم، في 2023، هو انعكاس لمرآة 2013. الاختلاف الوحيد بين هذين التاريخين أنَّ الجديد بدأ بصراعٍ انتخابي مُبكِّر، قبيل إجراء الانتخابات المحلية المزمع عقدها في ديسمبر القادم. لكنها تفتِنُ عن تشابكات أكثر تعقيداً تُنسج في الخفاء
في انتخابات مجالس المحافظات عام 2013، وكمثال، كان الجدال محتدماً بين تحالفي “متحدون” و”عابرون”، التحالفان رفضا آنذاك الإعلان بشكلٍ واضح عن أسماء المنضوين تحت لوائهما، لأسابيع طويلة. نتيجة ذلك وضع التحالفان المحافظة على صفيحةٍ من نار، والتي كانت تغلي أصلاً بسبب وجود خيم الاعتصامات، المطالبة بتغيير أوضاع المحافظات الغربية إلى الأفضل، وتحسين تعامل الحكومة معها، وتخليصها من مساوئ بارزة، تبدأ من المخبر السري إلى غيرها من ملفات ساخنة في ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة!
ما أفرزته الانتخابات في 2013، كان حصول “متحدون”، بقيادة رئيس مجلس النواب الأسبق أسامة النجيفي على ثمانية مقاعد، فيما حصلت قائمة “عابرون” بقيادة وزير الكهرباء الأسبق ومحافظ الأنبار قاسم الفهداوي على خمسة مقاعد. الأمر الذي فسح مجال المنافسة أمام الكتلتين لنيل منصب المحافظ. هنا الجميع كان ينتظر المفاجآت التي ستحدث في مجلس المحافظة.
ما حدث كان انشقاق الفائزين عن تجمع “الوحدة الوطنية العراقي”، بزعامة نهرو محمد عبدالكريم المنضوي في “العراقية الموحدة”؛ التي رأسها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وانضمامهم إلى “متحدون” بمقاعدها الثلاث. هذا الانشقاق والانضمام السريع رجَّح كفَّة “متحدون” على “عابرون”، ليذهب منصب المحافظ إلى الأول. أُعطي منصب المحافظ، لشخصية لم تُشارك في الانتخابات كعربون طمأنينة للشارع، مفادُه أنَّ الغاية هي حفظ كرامة المحافظة ودفع الخطر عنها. النتيجة على أرض الواقع لم تكُن ناجِحة. انقلبت الأمور ورزحت المحافظة تحت حكم داعش الإرهابي، بسبب تلك الصراعات الحزبيَّة والتنافس على المغانم لا على الإعمار والبناء.
ما يحدث “كسنزانياً” اليوم، في 2023، هو انعكاس لمرآة 2013. الاختلاف الوحيد بين هذين التاريخين أنَّ الجديد بدأ بصراعٍ انتخابي مُبكِّر، قبيل إجراء الانتخابات المحلية المزمع عقدها في ديسمبر القادم. لكنها تفتِنُ عن تشابكات أكثر تعقيداً تُنسج في الخفاء، وقد تؤجِّلُ الانتخابات في المحافظة. هذا إن حدثت الانتخابات المحلية في العراق عموماً، في موعدها المُقرَّر. المؤكد أن ما يحصل له صلة بحقيقةٍ يتغافل الجمع الحزبي عن ذكرِها؛ الأحزاب التي تزمع المشاركة بالانتخابات دائماً ما تبتز قوى الوضع القائم للحصول على مصادر تمويل من جيب الدولة!
صحيفة العرب