واشنطن- خلال حديثه مع شبكة “سي إن إن” (CNN) الأحد الماضي، اقترح الرئيس جو بايدن أن تقدّم الولايات المتحدة “إطارا أمنيا على غرار إسرائيل لأوكرانيا حتى تنضم إلى حلف الناتو”. وأشار إلى أن انضمام أوكرانيا إلى الحلف سابق لأوانه، وقال “لا أعتقد أن هناك إجماعا في الناتو حول ما إذا كان سيتم ضم أوكرانيا إلى عائلته أم لا الآن، في هذه اللحظة، في خضم الحرب”.
ودفع ذلك إلى التساؤل عما قصده بايدن من وراء قوله “تقديم دعم لأوكرانيا كما نفعل مع إسرائيل”، خاصة أن طبيعة الدعم الأميركي لإسرائيل استثنائية فيما يتعلق بطبيعتها وأهدافها وآلياتها.
وقال دبلوماسي سابق، فضّل حجب اسمه، في حديث للجزيرة نت، إن بايدن ربما كان يشير إلى قوة العلاقات العسكرية الأميركية الإسرائيلية كنموذج لعلاقات مستقبلية بين وواشنطن وكييف، “أو أنه جاء كخطأ وسقطة بسبب ضعف لياقة بايدن الذهنية”.
ومنذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، قدّمت الولايات المتحدة لكييف عتادا عسكريا بنحو 50 مليار دولار، تبع ذلك تدريب عسكريين أوكرانيين على استخدام الأسلحة الأميركية، إضافة لتعاون ومشاركة استخباراتية واسعة.
دور مجموعة الدول السبع
بعد وصوله إلى ليتوانيا، أصدر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بيانا شديد اللهجة أعرب فيه عن إحباطه لعدم تلقي مزيد من التفاصيل حول متى وكيف ستنضم أوكرانيا إلى حلف الناتو.
في حين كشف بايدن وقادة الدول السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة واليابان) عن عرض كبير لأوكرانيا قدموه في إعلان مشترك يهدف إلى تعزيز قدراتها العسكرية.
وفي ندوة حضرتها الجزيرة نت بمجلس العلاقات الخارجية، قالت خبيرة الشؤون الأمنية بالمجلس لينا فيكس، إن المقصود بالنموذج الإسرائيلي ليس فقد تقديم دعم أميركي، بل هو “إطار أكبر أوسع يضم عدة مسارات من مجموعة الدول السبع الكبرى لدعم أوكرانيا من خلال بيع ومنح وتعاون بحثي وتصنيعي وتعاون استخباراتي”. وجدير بالذكر أن إسرائيل لا ترتبط بأي اتفاقيات ذات طبيعة عسكرية أو دفاعية بمجموعة الدول السبع.
وبدا أن الضمانات الأمنية من الدول السبع تمثل تأكيدا وتطمينا لمخاوف أوكرانيا حول مستقبلها في حلف الناتو، خاصة مع تنامي إحباطها من عدم قبولها في صفوفه، وتردد الحلف في وضع جدول زمني أو مسار واضح للانضمام إليه.
نموذج استثنائي
من جهته، يشير خبير الشؤون الدولية بمركز العلاقات الخارجية ستيفن كوك، إلى الكثير من مذكرات التفاهم العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بالتصنيع العسكري والتعاون الاستخباراتي، لكن ليس هناك أية إشارة على أن واشنطن ستهرع للدفاع عسكريا عن إسرائيل، إذ لا يوجد بين الدولتين علاقة تحالف رسمية على غرار الوضع مع دول حلف (الناتو).
وترى النخبة السياسية الأميركية أن مساعدة إسرائيل يخدم مصالح أميركا في الشرق الأوسط، خاصة في ظل الدعم الداخلي القوي لإسرائيل الذي يتخطى الانتماء الحزبي.
ويعود تاريخ بدء دعم واشنطن لإسرائيل إلى لحظة تأسيسها عام 1948. وتدّعي واشنطن أن “الأهداف الإستراتيجية المشتركة والالتزام المتبادل بالقيم الديمقراطية” تدعم هذا الطرح.
وحتى عام 2022، قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل ما قيمته 150 مليار دولار من المساعدات العسكرية. ويقدّر بعض الخبراء إجمالي قيمة المساعدات بعد تعديلها لمراعاة التضخم لتصل إلى أكثر من 240 مليار دولار.
ولا تحظى أوكرانيا بهذا الشكل من الدعم، إذ يعتبر الكثير من المشرعين الجمهوريين أن مساعدة واشنطن العسكرية لكييف تُطيل أمد الصراع، ولا تخدم بالضرورة أهداف الأمن القومي الأميركي.
وعلى مدار سنوات، أصبحت المساعدات الأميركية لإسرائيل في أغلبها تقدم على شكل منح لشراء أسلحة. وتتلقى الأخيرة 3.3 مليارات دولار سنويا من برامج التمويل العسكري الأجنبية. كما أنها تتلقى 500 مليون دولار للبحث والتطوير ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي مثل القبة الحديدية.
وإضافة للمساعدات العسكرية، تلقت إسرائيل مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية في الفترة من 1971 إلى 2007.
ولم يسبق أن تعرض تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل لانتقادات واسعة، بل على العكس، يبادر الكونغرس بعرض أفكار حول تقديم أحدث الأسلحة الأميركية لإسرائيل (مجانا حيث تدفع ثمنها من برامج المساعدات العسكرية).
ومنذ عام 1999، وضعت المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل في مذكرات تفاهم بين البلدين تمتد لفترة 10 سنوات. وتم التوقيع على مذكرة التفاهم الأخيرة في عام 2016، وتعهدت أميركا بتقديم 33 مليار دولار لصندوق التمويل العسكري و5 مليارات دولار لتمويل الدفاع الصاروخي خلال الفترة بين عامي 2019 إلى عام 2028.
تعتيم يقيد قانون “ليهي”
وينص القانون الأميركي على أنه لا يجوز تقديم أية مساعدة إلى بلد “ينخرط في نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا”. وهناك قانون “ليهي” الذي ينص على أنه لا يمكن تقديم أي شكل من أشكال المساعدة “لأي وحدة من قوات الأمن” ترتكب “انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان”.
ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فلا تملك الولايات المتحدة آليات تعقب لتحديد الأسلحة التي تذهب إلى وحدات عسكرية محددة. هذا التعتيم يجعل من المستحيل تقريبا على وزارتي الخارجية والدفاع تنفيذ متطلبات فحص قانون “ليهي” بشكل صحيح.
المصدر : الجزيرة