واشنطن – حذر الأدميرال المتقاعد في البحرية الأميركية جيمس ستافريديس من أن الولايات المتحدة وأوكرانيا على حد السواء تعانيان من نفاد الذخيرة مع استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية. وأنه أيضا مع احتدام الحرب، واحتمال شن كييف لهجوم واسع النطاق في أي وقت، يعاني طرفا الصراع من نقص في الذخائر والمكونات الإلكترونية والأسلحة الموجهة بدقة، وحتى الإسمنت.
وفي حين يتمتع الغرب بقدرة هائلة على إيصال المواد الضرورية إلى ساحات القتال، بدأت تتكشف أزمات في سلاسل التوريد العالمية.
ويقول ستافريديس، وهو عميد كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، إن “هجوم الربيع” لن يكون بواسطة الدبابات والمدرعات، وإنما عبْر الزيادة في إنتاج الأسلحة لدى الدول الديمقراطية التي تدعم أوكرانيا.
ويتساءل ستافريديس “ما الذي يجب على هذه الدول أن تفعله بشكل جماعي لضمان حصول الأوكرانيين على احتياجاتهم لصد الغزو الروسي اللاأخلاقي وغير الشرعي؟ وكيف سيكون التأثير على سلاسل التوريد العالمية على نطاق أوسع؟”.
وأوضح ستافريديس أنه عندما كان قائدا للقيادة العليا لحلف شمال الأطلسي (ناتو) قبل أكثر من عقد، كان عادة ما ينظر إلى لوجستيات وسلاسل التوريد نظرة متفحصة، بنفس القدر الذي ينظر به إلى عمليات الحلف القتالية في أفغانستان والبلقان وليبيا، وضد القراصنة. وقال إنهم كانوا يشعرون براحة لأن القاعدة الشاملة للصناعات الدفاعية لدى الغرب -التي تسهم بأكثر من 1.2 تريليون دولار في موازنات الدفاع الجماعية لدول الناتو الإحدى والثلاثين- تستطيع التعامل مع هذه الصراعات بسهولة نسبية.
ولكن أكثر ما كان يزعجه آنذاك هو احتمال اندلاع صراع قوى في أوروبا، وخاصة أي تصعيد مع روسيا. وفي حين أن الحلفاء الغربيين يتمتعون بقدرات ساحقة وبوجود مخزونات، يمتلك الروس قاعدة صناعية قديرة، ووفرة في المواد الخام، ويستطيعون الاعتماد على العمالة المجندة لتدوير الآلات في المسابك والمصانع. وتقل موازنة الدفاع الروسية عن 70 مليار دولار، أي حوالي 10 في المئة من موازنة الناتو، في أفضل الأحوال.
وبعد أكثر من عام من انسحاب حلف الأطلسي من أفغانستان، أدت الاحتياجات الواسعة لأوكرانيا إلى ظهور تحديات تتعلق بالمواد اللازمة للعمليات القتالية بمستوى قال ستافريديس إنه هو نفسه لم يتوقعه؛ فالحاجة إلى المكونات الإلكترونية، بشكل خاص، تتنامى بشكل هائل لإنتاج أسلحة ذات توجيه دقيق، ومُسيرات متطورة، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وقذائف ذكية للمدفعية.
ورغم تباطؤ الاقتصاد العالمي تعمل الشركات المدنية مع الجيوش الغربية لإنتاج رقائق أشباه الموصلات، بالغة الأهمية، خاصة ذات الجودة الفائقة التي تنتجها تايوان على نطاق واسع. كما ظهرت ندرة في إنتاج الإسمنت حيث تزداد حاجة أوكرانيا إليه لإعادة الإعمار، في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إليه لمشروعات البنية التحتية في أميركا.
وأشار ستافريديس إلى تحليلات ومحاكاة للحرب تتكهن بمجالات حدوث الأزمات، وتمثل في المدافع والصواريخ والذخيرة -خاصة قذائف هاوترز- مصدر القلق الأكبر. ومن بين مخزونات الأسلحة المهددة بالنفاد قذائف المدافع عيار 155، والتي ظهرت كعنصر هجوم رئيسي لدى الأوكرانيين. ويعتقد عدد من المحللين أن أوكرانيا تستهلك شهريا من هذه القذائف ما يوازي إنتاج أميركا في عام في فترة ما قبل الحرب. ولا يتعلق الأمر بقذائف هاوتزر فحسب، بل يمتد إلى صواريخ هيمارس التي تعاني هي أيضا من النقص.
وكثفت القاعدة الصناعية العسكرية في أميركا عمليات الإنتاج لديها، كما فعلت البلاد في بداية الحرب العالمية الثانية. واستشهد ستافريديس بكتاب “مهندسو النصر” للمؤرخ بول كينيدي، الذي تحدث فيه عن التكنولوجيا والتنظيم والإنتاج الحربي كعناصر قلبت الموازين وأدت إلى انتصار الحلفاء على المحور في نهاية المطاف.
من بين مخزونات الأسلحة المهددة بالنفاد قذائف المدافع عيار 155، والتي ظهرت كعنصر هجوم رئيسي لدى الأوكرانيين
ويرى ستافريديس أن الأمر حاليا بعيد عن التعبئة العامة التي تمت في أوائل أربعينات القرن العشرين، ولكنّ شركات إنتاج الأسلحة الكبرى والمنتجين الصغار لأنظمة التكنولوجيا العالية (المُسيرات) يعملون على ابتكار وتوفير ما يحتاج إليه الأوكرانيون. وفي ظل زيادة الطلبيات ظهرت مشكلة أخرى، وهي النقص الحاد في العمال المهرة في مجال الذخيرة.
وعندما ألقى الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت خطبته التي أشار فيها إلى أن مصانع الولايات المتحدة تحولت إلى “ترسانة من الديمقراطية” للحلفاء، فرنسا وبريطانيا وروسيا، كاد الاقتصاد الأميركي يصبح آنذاك مخصصا بشكل كامل للحرب (اقتصاد حرب).
ويقول ستافريديس إن “ذلك لن يحدث اليوم، ولكن التحدي سيتمثل في استمرار الإنتاج الحربي، وفي نفس الوقت توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، في ظل تواصل العدوان الروسي”.
ويمتلك الكونغرس والبنتاغون أدوات تحقيق ذلك، والتي تتمثل في الأموال في المقام الأول، فالدعم العسكري الذي تقدمه واشنطن لأوكرانيا ضخم (حوالي 40 مليار دولار)، ولكنه يظل متواضعا بالنظر إلى موازنة الدفاع الأميركية التي تصل إلى 850 مليار دولار. ويقدم شركاء أميركا الأوروبيون والحلفاء في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، تقريبا نفس القدر من المساعدات، مع التركيز أكثر على الاحتياجات الإنسانية وإعادة الإعمار الاقتصادي.
وسيقدم الطرفان على جانبي الأطلسي أنظمة قتال مختارة (خاصة الدبابات والمدرعات الأرضية) وقذائف المدفعية. وسيتعين على الحكومات الغربية ضمان الإنتاج التعاقدي حتى لا تجد شركات الدفاع نفسها في موقف صعب إذا ما انتهت الحرب فجأة (وهو أمر لا يلوح في الأفق، بحسب اعتقاد الجميع).
ورغم أنه ستحدث صعوبة في سلاسل إمداد تجارية عالمية معيّنة (مثل الإلكترونيات ومواد التشييد وبعض المعادن) تظل القدرة الإجمالية لتجاوز الإنتاج الاقتصادي الروسي المترنح، واضحة. وعلى افتراض أن الصين ستواصل، بحكمة، رفض مد شريان حياة من العتاد الحربي لموسكو، سوف تتراجع روسيا أكثر فأكثر خلف القدرات الإنتاجية لدى الغرب.
ويقول ستافريديس إن هذا “النهج الأميركي في الحرب”، والذي أثبت نجاحه في الحربين العالميتين الأولى والثانية وأخيرا في الحرب الباردة، يبقي على الاحتمالات في صالح الأوكرانيين.
العرب