بروكسل- لا يبدو أن مكاسب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ستتوقف عند سلسلة الاتفاقيات التي عقدها في جولته الخليجية، والتي تفوق في مجملها مئة مليار دولار، ولا عند دور أنقرة المحوري في تحديد قائمة الأعضاء الجدد لحلف شمال الأطلسي (الناتو) والضمانات التي حصلت عليها مقابل ذلك. وسيتجاوز الأمر ذلك إلى تحصيل مكاسب من الاتحاد الأوروبي.
يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن أردوغان يزرع في الخليج والناتو ويحصد في أوروبا، وذلك بعد الاجتماع الذي عقده وزراء خارجية الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لبحث إمكانية تعزيز علاقاتهم مع تركيا في ظلّ عدم قدرتهم على أن يعرضوا عليها أفقا جدّيا للانضمام إلى التكتل.
ووجد الأوروبيون أن أردوغان خصم صعب المراس لا يمكن الالتفاف عليه، خاصة بعد أن دخل عهدته الرئاسية الثالثة بهدوء، وحرص على طمأنة المتوجسين من شعاراته القديمة، بدءا من الولايات المتحدة ومرورا بأوروبا ووصولا إلى دول الشرق الأوسط.
◙ العلاقات بين بروكسل وأنقرة توتّرت كثيرا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا خلال يوليو 2016 وحملة القمع التي أعقبتها وطالت معارضين وصحافيين
بدأ الرئيس التركي السنوات الخمس الجديدة من حكمه بأسلوب لا علاقة له بهستيريا بداية عهدته السابقة، التي هز فيها أواصر العلاقات التركية – الغربية والتركية – العربية. والآن بات الرجل قليل الكلام في السياسة، وإذا خاض فيها سعى للتجميع والتهدئة. في المقابل صار خطابه يركّز على المصالح والاتفاقيات والشراكات، وهو ما قوبل بتفاعل إيجابي من عدة دول.
وأحرج هذا التغيير الأوروبيين الذين وجدوا في السنوات الماضية حججا منطقية لمعارضة انضمام تركيا إلى الاتحاد، معتمدين على خطابات أردوغان وتصريحاته النارية التي تهاجم الجميع.
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قبل اجتماع الخميس في بروكسل إن أنقرة تريد “إعادة إطلاق مفاوضات الانضمام ووضع المسألة في أعلى سلّم مقاربتها السياسية معنا، هذا نبأ سارّ”.
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك أكثر وضوحا حين قالت إنّه بعد إعادة انتخاب أردوغان لولاية جديدة “حان الوقت لإجراء تفكير إستراتيجي” حول التعاون “مع جارة ليست سهلة المراس لكنها تبقى لاعبا عالميا مهمّا إستراتيجيًّا في جوارنا المباشر”.
وهذا النقاش المقرّر منذ فترة طويلة بشأن شريك لا يمكن الالتفاف عليه اكتسب أهمية أكبر بعد قمة حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي في فيلنيوس حيث ألقت شروط أردوغان بثقلها على الأجواء.
لكنّ أردوغان أحدث مفاجأة من خلال ربط موافقته على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي بإعادة إطلاق مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي والمجمدة منذ عدة سنوات.
وفي ختام نشاط دبلوماسي مكثف، رفع أردوغان أخيرا معارضته لانضمام السويد إلى الحلف، محذرا في الوقت نفسه من أنه لن تكون هناك مصادقة قبل أكتوبر على أقصى تقدير.
في المقابل مهّد الأوروبيون طريق تحسين العلاقات مع أنقرة؛ فبعد لقائه بالرئيس التركي تحدث رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في تغريدة عن رغبتهما في “تنشيط” العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
ووافقت السويد على “دعم نشط” للجهود الهادفة إلى إعادة تحريك عملية انضمام تركيا مع المساعدة في الوقت نفسه على تحديث الاتحاد الجمركي وتحرير التأشيرات، بحسب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ.
وهاتان المسألتان مهمتان في نظر أنقرة.
وتم تطبيق اتفاق الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ 1995، وبالتالي يمكن تكييفه لتشجيع المزيد من التجارة في حين أنّ التحرير المحتمل للتأشيرات من شأنه أن يخفف شروط دخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد الأوروبي.
في المقابل من الصعب تصور إحراز تقدم على المدى القصير في محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال بوريل إن منح وضع مرشح لأوكرانيا السنة الماضية “خلق ديناميكية جديدة في جوار الاتحاد”، خصوصا بالنسبة إلى دول البلقان و”عاجلا أم آجلا ستدخل تركيا على الخط”.
◙ الأوروبيون وجدوا أن أردوغان خصم صعب المراس ولا يمكن الالتفاف عليه، خاصة بعد أن دخل عهدته الرئاسية الثالثة بهدوء
لكنّ مفاوضات انضمام تركيا التي بدأت عام 2005 تعثّرت على مرّ السنين، إلى أن أدركت الدول الأعضاء في 2018 أنّها “في طريق مسدود” بسبب قرارات اتّخذتها أنقرة واعتُبرت مخالفة لمصالح الاتحاد الأوروبي، وأيضا بسبب “تراجع مستمر ومقلق في سيادة القانون والحقوق الأساسية” في تركيا.
وتوتّرت العلاقات بين بروكسل وأنقرة كثيرا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا خلال يوليو 2016 وحملة القمع التي أعقبتها وطالت معارضين وصحافيين.
وأوضحت وزيرة الخارجية الألمانية أنّ “العملية لا تزال بعيدة المنال لأنّ الفصول الأساسية للمفاوضات مثل سيادة القانون وحقوق الإنسان لم تطبّق، وهي أبعد ما يكون عن التنفيذ. (…) يجب ألا نكون ساذجين، فلن تكون هناك هدايا”.
لكنّ التعاون في المدى المنظور، لاسيّما تحرير تأشيرات الدخول الذي تطالب به أنقرة، يمكن أن يتعثّر جرّاء الخلاف المستمرّ حول قبرص.
العرب