نيروبي – عاودت الهجمات الإرهابية المتواترة استهداف كينيا، حيث وقعت سلسلة هجمات بقنابل يدوية الصنع وعمليات قطع رؤوس الشهر الماضي في المناطق الريفية بشمال شرق كينيا، ما أثار من جديد المخاوف من حركة الشباب الإسلامية المتطرفة في هذا البلد المجاور للصومال.
ولم تشهد كينيا، القوة الاقتصادية والسياحية في شرق أفريقيا، منذ 2019 اعتداء ضخما على يد الجماعة الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة.
غير أن البلد يواجه بانتظام هجمات محدودة في مناطق لامو ومانديرا وغاريسا الواقعة على الحدود الممتدة على طول 700 كيلومتر بين البلدين.
ويخيم القلق على السكان والسلطات منذ شهر. فبين 3 و24 يونيو الماضي قتل 24 شخصا بينهم 15 من قوات الأمن في هذه المناطق خلال ست هجمات متفرقة نسبت إلى حركة الشباب.
وقام الإرهابيون في إحدى هذه الهجمات بقطع رؤوس مدنيين في بلدة ريفية نائية بمنطقة لامو المعروفة بجزرها الواقعة في المحيط الهندي.
ويعتبر هذا الهجوم جزءا من سلسلة هجمات يشنها منتمون إلى حركة الشباب في المنطقة، والتي تستفيد من الفراغ الأمني بعد انسحاب قوة الاتحاد الأفريقي “أتميس” من الصومال.
ويرى بعض المحللين أن حركة الشباب بدأت تنشط مجددا في كينيا بعدما وجدت نفسها في موقع دفاعي في الصومال، حيث أعلنت حكومة الرئيس حسن شيخ محمود “حربا شاملة” عليها.
وتواجه الحركة التي كانت تعد ما بين سبعة آلاف و12 ألف مقاتل عام 2022، بحسب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، منذ بضعة أشهر هجوما يشنه عليها الجيش الصومالي وميليشيات عشائرية محلية مدعومة من قوة الاتحاد الأفريقي (أتميس أو أميصوم سابقا) وبمشاركة قوات كينية، فضلا عن الضربات الجوية الأميركية.
وأتاحت العملية العسكرية للقوات الحكومية استعادة السيطرة على بعض المناطق في وسط البلاد، على أن تبدأ المرحلة الثانية من الحملة قريبا في جنوب البلاد.
وأوضح مدير قسم شرق أفريقيا وشمالها في مجموعة الأزمات الدولية نيكولا دولوني أن الهجمات في كينيا هي وسيلة تؤكد الحركة عبرها أنه “رغم الضغط الذي تخضع له، فهي تحتفظ بالقوة الضاربة ذاتها”.
وأضاف أن “هذا قد يكون كذلك وسيلة لتحذير كينيا التي التزمت بالمشاركة في هجوم الحكومة الصومالية”.
وتستهدف حركة الشباب كينيا منذ تدخلها العسكري في الصومال عام 2011، ثم مشاركتها في قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال التي أنشئت عام 2012 لمكافحة التمرد.
وشن الجهاديون الذين يستفيدون من عدم ضبط الحدود بصورة محكمة، ويجندون مقاتلين بين السكان المحليين الشبّان، عدة هجمات واسعة النطاق استهدفت مركز وستغيت التجاري في العاصمة الكينية نيروبي في سبتمبر 2013 (67 قتيلا)، وجامعة غاريسا في أبريل 2015 (148 قتيلا) وفندق دوسيت في نيروبي خلال يناير 2019 (21 قتيلا).
ورأى الأستاذ في معهد العلوم السياسية “سيانس بو” في باريس وخبير أفريقيا رولان مارشال أن الهجمات الأخيرة هي “انتقام” من حركة الشباب بعد الضربات الجوية الكينية الأخيرة التي استهدفت مواقعها في الصومال.
ولفت إلى أنه “تم تبديل قادة الجهاز الأمني الكيني في الآونة الأخيرة مع قيام إدارة روتو (الرئيس المنتخب في أغسطس 2022) الجديدة، وهناك قلة تنظيم نسبية على الحدود”.
حركة الشباب تستهدف كينيا منذ تدخلها العسكري في الصومال ومشاركتها في قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال لمكافحة التمرد
ولا تتركز هجمات الشباب على كينيا؛ فقد أعلنت إثيوبيا، التي تكن لها الحركة عداء تاريخيا، الشهر الماضي عن إحباط هجوم على مدينة دولو الحدودية.
وأفاد مسؤول أميركي الشهر الماضي بأن الهجمات الأخيرة عبر الحدود هي “مؤشر يأس” من قبل الحركة الإسلامية.
لكن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد حذر مؤخرا من أن “الوضع يبقى هشا” بالرغم من التقدم الذي حققه هجوم الجيش الصومالي وحلفائه.
وبالرغم من طردهم من المدن الصومالية الكبرى في 2011 و2012، يبقى المنتمون إلى حركة الشباب منتشرين في مناطق شاسعة من الأرياف حيث يواصلون تنفيذ هجمات على أهداف أمنية ومدنية.
وقال حسن خاننجي مدير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية للقرن الأفريقي الذي له مركز في نيروبي “هناك رغبة لدى حركة الشباب في أن تثبت صمودها”.
كما رأى أن هذه الهجمات تشكل “تحذيرا موجها إلى كينيا”، داعيا السلطات إلى التحلي بـ”اليقظة”.
واختارت الحكومة الكينية نهجا حذرا؛ فبعدما أعلنت في منتصف مايو الماضي عن إعادة فتح حدودها البرية تدريجيا مع الصومال، والتي كانت مغلقة رسميا منذ 2011، عاد وزير الداخلية كيثوري كينديكي وأعلن تأجيل هذا الإجراء “إلى أن نتعامل بصورة نهائية مع السلسلة الأخيرة من الهجمات الإرهابية والجرائم عبر الحدود”.
العرب