تشهد منطقة مخمور التابعة لمحافظة نينوى، جنوب شرقي الموصل العراقية، هدوءاً حذراً، عقب تحرك الجيش العراقي في مايو/ أيار الماضي لبسط السيطرة على مخيم اللاجئين الأكراد الأتراك، والذي يضم عناصر من حزب العمال الكردستاني وعائلاتهم. وانتهت العملية بانتشار قطعات من الجيش في محيط المخيم من دون السيطرة عليه من الداخل.
ويضم المخيم أكثر من 12 ألف شخص، ويقع في مركز قضاء مخمور الواقع بين محافظتي نينوى وأربيل، عاصمة إقليم كردستان. وجغرافياً يبعد المخيم عن مدينة الموصل نحو 105 كيلومترات بينما هو أقرب إلى أربيل، حيث يبعد عنها 70 كيلومتراً. ويخضع المخيم لسيطرة مسلحي حزب “العمال”، فلا سلطة للقوات العراقية ولا لقوات البيشمركة (حرس إقليم كردستان) عليه من الداخل.
ويعود تاريخ إنشاء المخيم إلى العام 1998، حيث إنه خصص، بإشراف أممي، لإيواء اللاجئين من أكراد تركيا، لكنه تحوّل اليوم إلى بلدة صغيرة بعد استبدال الخيم بمنازل مبنية من الإسمنت.
إخفاق في ضبط مخيم “العمال”
مصدر في قيادة عمليات نينوى أفاد بأن العمليات العسكرية، التي بدأها الجيش العراقي في محيط مخيم حزب “العمال”، توقفت بعد أسبوع من انطلاقها. وبيّن، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن العملية توقفت بعد انتشار قطعات من الجيش العراقي في محيط المخيم، لافتاً إلى أن القوات التي انتشرت في مخمور عبارة عن فوجين من قيادة عمليات نينوى، بينما يتبع الفوج الثالث للفرقة الخامسة عشرة المرتبطة بقيادة عمليات صلاح الدين.
أثيل النجيفي: وجود “العمال” يفتح المجال للتدخل الدولي في مناطق هشة وغير مستقرة سياسياً كمخمور
وأكد المصدر أن قوات الجيش لم تدخل إلى داخل مخيم اللاجئين الأكراد. وأضاف أن “دخول المخيم يعني اندلاع مواجهات مسلحة مع عناصر حزب العمال الموجودين بداخله، ولم تصدر أوامر بالاشتباك معهم”، حسب قوله.
وأشار إلى أن “هدف العملية لم يتحقق لغاية الآن، لأن الجيش لم يفرض سيطرته داخل المخيم، ولم يقم بإنشاء نقاط عسكرية بداخله، ولم ينصب أبراجاً أو كاميرات للمراقبة، بحسب ما كان مخططاً له”.
وفي 20 مايو الماضي تحرك الجيش العراقي في محيط مخيم مخمور، وحاول دخوله، لكنه واجه رفضاً ومقاومة من الموالين لـ”العمال الكردستاني” الموجودين في المخيم، والذين هاجموا قوات الجيش بالحجارة ما أدى إلى إصابة 4 جنود.
العراق/بلدة مخمور في نينوى/سافين حامد/فرانس برس
تقارير عربية
الجيش العراقي يبدأ حفر خندق حول مخيم مخمور: محاصرة العمال الكردستاني
عقب التحرك، نفت خلية الإعلام الأمني العراقية الهجوم على مخيم مخمور. وأكدت، وقتها، أن الغرض من تحرك القوات العراقية هو تأمين المخيم، ومنع التصرفات غير القانونية التي يقوم بها بعض سكان المخيم، والتي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والسلم في البلاد، وتضر علاقة العراق بمحيطه الإقليمي، في إشارة إلى استخدام المخيم في صراع حزب “العمال” ضد تركيا.
وبحسب المعلومات، فإن الجيش العراقي تحرك بناء على تفاهمات بين بغداد وأربيل لوقف تمدد مسلحي “العمال الكردستاني” واستعادة السيطرة على المناطق التي يبسطون فيها نفوذهم، وأنه جاء بناء على تعهدات عراقية لتركيا، خلال الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى أنقرة في مارس/ آذار الماضي.
صراع النفوذ في مخمور
يربط قضاء مخمور بين محافظات نينوى وأربيل وكركوك، ويسكنه خليط من الأكراد والعرب. والقضاء يتكون من ثلاث نواح: القراج، ديبكة، الكوير، إضافة إلى مركز مخمور، وهو من الأقضية المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل.
وكان حتى أحداث يونيو/ حزيران 2014 يخضع لسيطرة حكومة إقليم كردستان. وحتى بعد عمليات فرض القانون التي نفذتها القوات العراقية في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بقيت أغلب مناطق القضاء تحت سيطرة حرس الإقليم على الرغم من تقدم القوات العراقية في أجزاء من القضاء.
وتبرز أهمية قضاء مخمور من زاوية صراع النفوذ والتمدد فيه من قبل الأطراف الأربعة التي تمتلك السلاح فيه: القوات العراقية، قوات البيشمركة، تنظيم “داعش”، وحزب العمال الكردستاني.
فالقضاء محل صراع بين حكومتي بغداد وأربيل، وكل منهما يحاول استغلال الظروف لبسط سلطته هناك. حتى أن القوات التابعة للمركز وتلك التابعة للإقليم تعملان في القضاء وكأنهما جيشان معاديان، على اعتبار أنه تابع لأربيل من وجهة نظر كردستان، بينما ترى بغداد عكس ذلك، وتعده قضاء يتبع لمحافظة نينوى.
كما أن “العمال الكردستاني”، المنتشر داخل مخيم اللاجئين، بات يُجند المقاتلين ويشارك بشكل أو بآخر في الهجمات على القوات التركية، ويستقبل آخرين قادمين من مناطق القتال ويسعى للتمدد والسيطرة على مناطق في محيط المخيم. كما أنه تحول إلى مركز للقيادة والسيطرة تابع لـ”العمال”، بحسب وجهة النظر التركية التي لم تنفها أو تؤكدها بغداد وأربيل.
ضابط في البيشمركة: الحشد الشعبي يعارض أي خطوة تجمع البيشمركة والجيش في المناطق المتنازع عليها
تنظيم “داعش” هو الآخر يحاول التحرك والسيطرة على بعض المناطق في مخمور، مستغلاً الخلاف القائم بين حكومتي بغداد وأربيل ومناطق الفراغ الأمني في المناطق الفاصلة بين سيطرة القوات العراقية الاتحادية وسيطرة قوات البيشمركة الكردية.
واللافت أن مناطق وجود “العمال الكردستاني” وتنظيم “داعش” ليست بعيدة. فالمخيم يقع على مقربة من جبل قره جوخ في محيط مخمور من الجهة الأقرب إلى محافظتي أربيل وكركوك، بينما ينتشر مسلحو “داعش” في الجبل، الذي يرتفع لأكثر من 600 متر، ويحتوي العديد من الكهوف والوديان، ما سهّل عملية اختفاء وانتقال عناصر “داعش” فيه.
وعلى الرغم من مقتل العشرات من مسلحي “داعش” في جبل قره جوخ، إلا أن العمليات العراقية لم تحقق أهدافها في القضاء على معاقل التنظيم هناك، على الرغم من المشاركة الدولية في دعم القوات العراقية.
ومع وجود صراع داخل قضاء مخمور، فإن الباب يبقى مفتوحاً للتدخلات الخارجية، لا سيما مع وجود ترابط وثيق بين حزب العمال الكردستاني والفصائل المسلحة القريبة من إيران، وذلك يعني أن تركيا ستدخل على الخط لأنها ترى في حزب “العمال” المنظمة الإرهابية الأولى التي تهدد أمنها القومي.
مخاطر وجود “العمال الكردستاني” في مخمور
محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي أكد وجود تحرك لحزب “العمال” وتنظيم “داعش” في قضاء مخمور، لكنه حذر من مخاطر “العمال الكردستاني” لأن “داعش” لم يعد قادراً على تهديد الأمن والتوغل بالمجتمع.
وقال النجيفي، لـ”العربي الجديد”، إن “تنظيم داعش موجود في المناطق الوعرة من مخمور باتجاه كركوك، وكذلك في مناطق نائية من بادية الجزيرة، ولكن بالتأكيد لم يعد داعش يشكل خطراً كبيراً على الأمن لأنه فقد قدرته على التغلغل في المجتمع”.
وأضاف أن “خطر حزب العمال حقيقي على إقليم كردستان، وكذلك على المناطق المختلطة المحاذية للإقليم مثل مخمور”. وبين أن “حزب العمال، على خلاف داعش، ما زال قادراً على التغلغل في المجتمع الكردي بالدرجة الأولى، كما أنه يحظى بدعم داخلي وخارجي وبتمويل يمكنه من استقطاب أشخاص من العرب أيضاً. وهو من جهة أخرى، لا يختلف كثيراً عن داعش كونه جماعة مسلحة تقوم بكل شيء ضد المجتمع المدني والقوى السياسية والدول لتحقيق أهدافها”. وشدد على أن وجود حزب العمال الكردستاني يفتح المجال للتدخل الدولي في مناطق هشة وغير مستقرة سياسياً كمخمور.
مناطق الفراغ الأمني
لكن ضابطاً كبيراً في وزارة البيشمركة أكد أن الخطر الأمني الأكبر الذي يواجه مخمور وغيرها من المناطق الممتدة على حدود الإقليم يتمثل في وجود فراغات أمنية بين القوات العراقية والقوات الكردية وانتشار “داعش” في تلك المناطق.
وقال الضابط، لـ”العربي الجديد”، طالباً عدم الكشف عن هويته، إنه “منذ 2017 وسيطرة القوات العراقية على المناطق المتنازع عليها بعد انسحاب البيشمركة منها بعد أحداث استفتاء كردستان، تشكّل فراغاً أمنياً بين البيشمركة والجيش. هذا الفراغ الأمني أصبح تهديداً حقيقياً لتلك المناطق، لا سيما أنه ليس هناك أي نية حقيقية وصادقة لملء هذا الفراغ الأمني”.
وأضاف: “منذ 2017 يتحدث الطرفان (الجيش والبيشمركة) عن التنسيق الأمني في الفراغ الأمني، ولكن الواقع يقول غير ذلك، فمع الأسف لا توجد نيّة صادقة وجدية لملء الفراغ الأمني. فقد جرت مئات الاجتماعات، وعلى مستويات عليا بين البيشمركة والجيش، ولكن الأمور بقيت كما هي”.
وتابع أنه “في عهد (رئيس الوزراء السابق مصطفى) الكاظمي تمت الموافقة على تشكيل لواءين مشتركين بين الجيش والبيشمركة لملء الفراغات الأمنية، تحت إشراف التحالف الدولي، وفي قانون الموازنة تمت الموافقة على تخصيص ميزانية لهم”.
ولفت إلى أن “الحشد الشعبي يعارض أي خطوة تجمع البيشمركة والجيش في المناطق المتنازع عليها، لأن ذلك يعارض مصالح الحشد وإيران”، مضيفاً أنه “من الصعب، بل من المستحيل أن يقبل الحشد الشعبي بانتشار ألوية مشتركة بين الجيش والبيشمركة في المناطق المتنازع عليها أو الفراغ الأمني”.
غانم العابد: وجود “العمال” في مخمور وسنجار أقوى من إرادة الدولة
وبشأن تحرك الجيش العراقي نحو مخيم “العمال الكردستاني”، قال الضابط إن “التحرك العسكري للجيش العراقي نحو مخيم مخمور جرى برضا البيشمركة وحكومة إقليم كردستان، ولكن بدون تنسيق مع البيشمركة”. وأكد أن “التحرك ضد المخيم جاء بضغوط تركية، وبرضا حكومة الإقليم، لأنها ترى أن حزب العمال هو الطرف الكردي الوحيد المعارض لسياستها في المنطقة”.
وأشار إلى أن وفداً أمنياً مشتركاً بين بغداد وأربيل قدم 4 مقترحات لتأمين مخيم اللاجئين في مخمور، وهي تسييجه وحراسته من قبل الجيش والشرطة، ووضع حواجز كونكريتية على طريق المخيم وأمامه، وتحديد طريق واحد فقط لمرور سكان المخيم، وإدخال الشرطة إلى المخيم.
الموقف الكردي
من جهته، أكد عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني صبحي المندلاوي رفض حكومة إقليم كردستان وجود أي تحرك عسكري لحزب العمال الكردستاني في مناطق الإقليم، أو المناطق المتنازع عليها كسنجار ومخمور.
وقال المندلاوي، لـ”العربي الجديد”، إن “وجود مسلحي العمال الكردستاني في بعض المناطق العراقية، ولا سيما سنجار، تدعمه أطراف عراقية وأخرى إقليمية”. وبين أن الهدف من ذلك هو إبقاء “العمال” كورقة سياسية للضغط على الإقليم، مشيراً إلى أن وجودهم في مخمور محدود ضمن مخيم اللاجئين، وليس كما في سنجار، حيث لا يُسمح لهم بأي نشاط عسكري في مخيم مخمور الخاص بهم.
تشكيك بتحركات بغداد
أما الباحث في الشأن العراقي غانم العابد، فشكك في إمكانية فرض السيطرة على مخيم مخمور، على الرغم من التحرك العسكري الأخير، وذلك بسبب دعم المليشيات “الولائية” المتنفذة لحزب العمال الكردستاني.
وقال العابد، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “حتى لو كانت هناك رغبة حكومية بالسيطرة على مخيم اللاجئين في مخمور، فإن تلك الخطوة ستتعارض مع مصلحة المليشيات الحليفة، أو المُتفقة مع حزب العمال الكردستاني، حيث إنها ستمنع الحكومة من مواصلة هذه الخطوة”.
وأضاف أن “تصرف سكان المخيم مع قوات الجيش العراقي، والاعتداء عليهم ومنعهم من دخول مخيم مخمور، دليل على وجود جهة متنفذة توفر لهم الحماية، إذ لا يجرؤ أي لاجئ في العالم على القيام بتصرف مماثل لولا وجود قوة تحميه”.
وأكد العابد أن وجود حزب “العمال” في مخمور وسنجار أقوى من إرادة الدولة، لأن الداعم الرئيس للحزب هي المليشيات “الولائية” وإيران، والأخيرة تستخدم “الكردستاني” كمشروع للنفوذ في شمالي العراق.
ولفت إلى أن ذلك سيجر تركيا إلى التدخل ضد “العمال الكردستاني” من جهة أخرى، ما سيؤدي إلى صراع يفضي إلى خلل أمني في منطقة لم تعد تتحمل أي خلل، بسبب ما مرّ عليها من حروب في السنوات الأخيرة.
العربي الجديد