بصمات فاغنر على انقلاب النيجر: الأزمات لا تلهي روسيا عن توسيع نفوذها

بصمات فاغنر على انقلاب النيجر: الأزمات لا تلهي روسيا عن توسيع نفوذها

نيامي- تتجه أغلب التكهنات إلى وقوف موسكو عبر مجموعة فاغنر خلف الانقلاب العسكري في النيجر، وهي التكهنات التي تعززت عقب رفع متظاهرين نيجيريين لعلم روسيا الخميس، وتلميح مسؤولين غربيين بوقوف فاغنر خلف ما يجري في البلاد.

وتعكس هذه التكهنات، التي ستتضح صحتها خلال الأيام القادمة، أن تركيز روسيا على تطورات الحرب في أوكرانيا وأزماتها الداخلية التي تفجرت، خاصة عقب تمرد مجموعة فاغنر، لا يمنعها من توسيع نفوذها في أفريقيا والرد على الضغوط الغربية داخل القارة.

وفي حال وقفت فاغنر وراء الإطاحة برئيس النيجر محمد بازوم، فإنها تكون بذلك قد سجلت نقطة جديدة على حساب فرنسا بعد نجاحها في إسناد الانقلاب في مالي وبوركينا فاسو، ما اعتبره مراقبون نجاحا روسيا في وضع اليد على نفوذ باريس التاريخي، خاصة بالنسبة إلى النيجر التي توفر لفرنسا حوالي سبعين في المئة من الكهرباء.

وسبق أن توقعت تقارير أن تكون النيجر هي البلد الثالث الذي تطاله يد فاغنر بسبب الوضع الأمني الهش في البلاد، وفي ظل اشتداد التنافس الروسي – الفرنسي.

وفي أكتوبر العام الماضي نشرت صحيفة تايمز البريطانية تقريرا توقعت فيه أن تكون النيجر الدولة التالية التي تخسرها فرنسا لصالح روسيا في غرب أفريقيا، مستندة في ذلك إلى مواقف وتصريحات صادرة عن مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطالبون بالتخطيط لهذه الخطوة.

والخميس وصف الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا حضور مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في أفريقيا وانتشارها الواسع في القارة بـ”الأمر المثير للقلق”.

وعرّج ماتاريلا على الحاجة إلى تحديد “بنيات جديدة في المجتمع الدولي، و(هي الحاجة) الناتجة مرة أخرى عن الانقلاب الأخير في بلد من بلدان جنوب الصحراء الكبرى”، في إشارة إلى النيجر.

وقال ماتاريلا إن هذا الأمر يأتي “في منطقة تشهد حضورا واسع النطاق لمجموعة فاغنر ومثيرا للإزعاج، إلى جانب بعض مواقف الرفض الجاد لمبادرات الأمم المتحدة”.

وتظاهر المئات من النيجريين لتأييد الانقلاب. ولوح البعض بالعلم الروسي ورددوا شعارات مناهضة لفرنسا، في تعبير عن موجة متنامية من الاستياء تجاه باريس (القوة الاستعمارية السابقة) ونفوذها في منطقة الساحل.

وفي تكرار لموقفها الرافض بشدة لانقلاب مالي وبعده بوركينا فاسو، استنكرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) استيلاء الجيش على السلطة في النيجر وحثت على تحرير الرئيس بازوم.

وحثت روسيا على إطلاق سراح الرئيس بازوم، لكنها دعت “أطراف النزاع إلى الامتناع عن استخدام القوة وحل جميع القضايا الخلافية بالحوار السلمي البنّاء”.

وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا عن “أمل الجانب الروسي في التوصل إلى تسوية سريعة للأزمة السياسية الداخلية من أجل إعادة السلم الأهلي”.

غراف

ودعت وزارة الخارجية الفرنسية إلى استعادة المؤسسات الديمقراطية في النيجر على الفور، والإفراج عن رئيسها بعد ما وصفته “بالاستيلاء على السلطة” في البلاد.

وبدورها قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير الخميس إن الولايات المتحدة لا ترى أي مؤشرات يعتد بها على تورط روسيا أو قوات مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في الانقلاب بدولة النيجر.

واتهم العسكريون الانقلابيون الخميس فرنسا بانتهاك قرار إغلاق الحدود حين هبطت طائرة فرنسية عسكرية في مطار نيامي الدولي، داعين إلى “الالتزام التام بالإجراءات” التي اتخذها المجلس العسكري.

وعلّق المجلس العسكري، الذي يضم جميع أسلحة الجيش والدرك والشرطة، كلّ المؤسسات، وأغلق الحدود البرية والجوية، وفرض حظر التجول من الساعة 22.00 مساءً حتى الخامسة صباحا (21.00 مساءً حتى الرابعة صباحا بتوقيت غرينيتش).

وأعلن رئيس أركان القوات المسلّحة في النيجر “تأييد إعلان” العسكريين الانقلابيين وضع حدّ لنظام الرئيس بازوم الذي يحتجزه أفراد من الحرس الرئاسي منذ أكثر من 24 ساعة، فيما اتهم المجلس العسكري فرنسا بانتهاك قراره الذي يقضي بإغلاق الحدود.

وقال بيان وقّعه رئيس الأركان الجنرال عبدالصدّيق عيسى إنّ “القيادة العسكرية للقوات المسلّحة في النيجر… قرّرت تأييد إعلان قوات الدفاع والأمن… من أجل تجنّب مواجهة دامية بين القوى المختلفة”.

وفي وقت سابق الخميس قال بازوم في رسالة عبر خدمة “إكس”، المعروفة سابقا بـ”تويتر”، “ستُصان المكتسبات التي حققت بعد كفاح طويل. كل أبناء النيجر المحبين للديمقراطية والحرية سيحرصون على ذلك”.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الانقلاب في النيجر مثال جديد على “المنحى المقلق” الذي تتخذه منطقة الساحل التي شهدت العديد من “التغييرات غير الدستورية” لحكومات دول متأثرة أساسا بـ”تطرف عنيف”.

وبعدما تحدث مع بازوم يوم الانقلاب قال غوتيريش الخميس إنه “لا يعلم أين هو”، مضيفًا “كان محتجزًا، قال لي إنه بخير، لكنه قال لي إن الوضع خطير جدًا”.

ودعا وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء من نيوزيلندا إلى “الإفراج الفوري” عن رئيس النيجر. وقال “تحدّثتُ مع الرئيس بازوم في وقت سابق هذا الصباح وقلت له بوضوح إنّ الولايات المتحدة تدعمه بقوّة بصفته رئيسا للنيجر منتخبا بشكل ديمقراطي”.

وجاء الإعلان عن الانقلاب في نهاية يوم من التوتر في نيامي، اتّسم بما وصفه النظام بأنّه تعبير للحرس الرئاسي عن “استيائه” عبر احتجاز الرئيس بازوم في مقر إقامته الرسمي منذ صباح الأربعاء.

وفشلت المحادثات بين بازوم والحرس الرئاسي لمحاولة إيجاد حلّ، دون أن يعرف أحد ما هي مطالب الجيش.

وقبل الإعلان عن الانقلاب كان من المقرّر أن تسعى وساطة غرب أفريقيا الخميس إلى إيجاد حلّ لما كان إلى حدود تلك اللحظة مجرّد محاولة انقلابية، ندّد بها جميع شركاء النيجر.

العرب