واشنطن – اعترض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الشهر الماضي على وضع المحادثات غير المباشرة مع إيران حيث كان يعمل على تجنب الضغوط السياسية بشأن التواصل مع النظام الإيراني في ما يتعلق بأنشطته النووية، والإفراج المحتمل عن الإيرانيين – الأميركيين المحتجزين ظلما.
ولم تنكر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن اثنين من كبار الخبراء الدبلوماسيين في الشرق الأوسط، وهما المبعوث الخاص بريت ماكغورك والمبعوث الخاص إلى إيران روب مالي، كانا في عمان لإجراء شكل من أشكال المحادثات غير المباشرة مع المسؤولين الإيرانيين، لكن بلينكن أوضح أنه لا يوجد اتفاق وشيك مع إيران، ومع ذلك، يطالب منتقدو الكونغرس بمزيد من الشفافية، وهم مستعدون لاتخاذ تدابير لتقييد ما قد يكون مبادرة دبلوماسية هشة في مرحلة مبكرة.
وربما تعرقلت مسيرة عمل فريق بايدن في ذلك المجال بعد الإعلان في أواخر الشهر الماضي عن وضع مالي في إجازة غير مدفوعة الأجر أثناء مراجعة تصريحه الأمني، وتقول التقارير إن مكتب التحقيقات الفيدرالي يجري تحقيقا في الأمر.
ويحفل تحليل تلك المحادثات المهمة المحتملة مع إيران بالكثير من التكهنات، والقليل من الحقائق. ولا يبدو أن الإدارة مستعدة أو قادرة على مشاركة أي تفاصيل عن تلك المحادثات المفترضة، ربما لأنها لم تسفر عن أي نتائج، أو على العكس من ذلك، لأن المسؤولين لا يزالون متفائلين ويريدون حماية العملية حتى يكون الطرفان مستعدين للتحدث عنها أمام الجمهور.
لقد أثبتت إدارة بايدن بطرق متعددة أن الدبلوماسية هامة حول رؤيتها للعالم وفكرتها عن فن إدارة الدولة. والدبلوماسية ليست مجرد اجتماعات ذات حوار مكتوب في عواصم صديقة مع مسؤولين متشابهين في التفكير، ولكنها مهمة صعبة لإيجاد طرق لنزع فتيل التوترات ومنع الصراع المفتوح مع الخصوم، وفي بعض الأحيان يستغرق الأمر عدة أسابيع أو أشهر قبل إنشاء قواسم مشتركة.
وكانت الدبلوماسية مع إيران محفوفة بالمخاطر منذ عقود عديدة، لكن الأمر صعب في عام 2023 كما كان منذ ثورة 1979 وقطع العلاقات الرسمية. وغالبا ما يخطئ الطرفان في قراءة ما يحفز الطرف الآخر، وكلما اعتقد أحد الجانبين أن لديه ميزة، فإنه يبالغ في تقديم المطالب ثم يضيع الزخم. لذلك قد يكون من الحكمة اتباع النهج البطيء والسري.
وأدى النهج العدواني للإدارة السابقة (أقصى قدر من الضغط) إلى إعادة نقطة الانطلاق لفريق بايدن إلى نقطة الصفر. ومن الناحية الإستراتيجية، لم يفعل قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي متعدد الأطراف الموقع في عام 2015 – خطة العمل الشاملة المشتركة – شيئا لتعزيز هدف منع إيران من تطوير قدرات الأسلحة النووية. بل على العكس من ذلك، فإن تقويض القيود التي تم التفاوض عليها دوليا على إيران شجع البلاد وجعل مهمة استعادة تلك القيود أكثر صعوبة إلى حد كبير.
ولم يؤد خطاب ترامب العدواني إلا إلى إثارة الديناميكيات الإقليمية دون الحفاظ على القوة الأميركية، ومن المحتمل أن يكون قد ساهم في توسيع علاقات إيران مع روسيا والصين. ففي الأسبوع الماضي، أصبحت إيران عضوا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي الكتلة الأمنية والسياسية الأوراسية التي يمكن أن تصبح مثيلا لحلف شمال الأطلسي. لذا فإن التفاخر الأميركي حول الكيفية التي أدى بها نهج ترامب إلى يأس إيران الاقتصادي وعزلتها السياسية خال من الحقائق.
ويبدو أن فريق بايدن لم يتخل عن العمل لاستعادة جزء على الأقل من “خطة العمل الشاملة المشتركة” وذلك من خلال نهج هادئ ومتحفظ، حيث تبنّوا إستراتيجية “القليل مقابل القليل” بدلا من الهدف المفرط في الطموح وغير الواقعي المتمثل في توسيع وتعزيز خطة العمل الشاملة المشتركة. وربما يكون إحراز بعض الخطوات في تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر مارس قد حفز أيضا فكرة التحقيق عبر عمان أو وسطاء موثوقين آخرين لمعرفة ما إذا كانت إيران منفتحة على المحادثات.
كما ساعد التقارب المبدئي بين إيران ودول الخليج العربية واشنطن على حساب أخطار وعواقب الانفتاح الدبلوماسي، وبالنظر إلى أنه بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، شعرت كل من إسرائيل ودول الخليج بالخيانة بسبب الصفقة وانتقدت الولايات المتحدة. ومع اتفاق المملكة العربية السعودية وإيران في شهر مارس لاستعادة العلاقات بعد محادثات توسطت فيها الصين، يمكن للمرء أن يتوقع مقاومة أقل من الشركاء العرب الرئيسيين. ومع ذلك، كان من المتوقع معارضة شرسة من إسرائيل والجمهوريين في الكونغرس.
◙ كلما اعتقد أحد الجانبين أن لديه ميزة، فإنه يبالغ في المطالب ثم يضيع الزخم. قد يكون من الحكمة اتباع النهج البطيء.
ووفقا لبعض التقارير، فإن الخطوط العريضة للمبادرة الأميركية تشمل التزام إيران بالحد من أنشطة التخصيب إلى مستوى صنع الأسلحة، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإطلاق سراح ما لا يقل عن ثلاثة أميركيين – إيرانيين مزدوجي الجنسية يقبعون حاليا في السجون الإيرانية. وفي المقابل، ستحصل إيران على تخفيف جزئي للعقوبات في شكل الوصول إلى الأموال في البنوك الكورية. وفي أواخر شهر يونيو اعتبر بعض مراقبي الشرق الأوسط أن المحادثات قد توقفت، وذلك ربما بسبب شروط الإفراج عن السجناء.
وإذا كان ذلك صحيحا، فإن فكرة “الأقل مقابل القليل” هي فكرة أكثر تواضعا مما جادل به علي فايز وفالي نصر مؤخرا في مجلة فورين أفيرز، حيث رأيا فرصة أكبر لإعادة تشكيل دور إيران الإقليمي من خلال إشراك جميع الدول في المنطقة، والحد من دعم إيران المزعزع للاستقرار للميليشيات العابرة للحدود، وفرض قيود على أنشطة التخصيب النووي، ونهجهم أقرب إلى “الصفقة الكبرى” التي دعا إليها البعض على مر السنين وهو: وضع جميع القضايا على طاولة النقاش ومعرفة ما إذا كانت هناك طريقة مختلفة جذريا لإيران وجيرانها والقوى الغربية لإدارة علاقاتهم وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
ومع ذلك، فإن نهج بايدن، وفق المفردات الدقيقة للمسؤولين الأميركيين، يستلزم تناول أكثر من قضية واحدة في ظل تفاهم أو حزمة. لقد جادلت سابقا بأن الجهود المبذولة لإطلاق سراح المواطنين الأميركيين المحتجزين ظلما تقوم على إبقاء ذلك المسار خاليا من التشابك مع القضايا الخلافية الأخرى، وعليه ربما انقلب المنطق رأسا على عقب.
ومن المؤكد أنه لا يوجد كتاب قواعد مثالي للدبلوماسيين، فعليهم أن يختبروا الكثير من الطرق ويرون ما هي الطريقة الناجحة، وما يهتم به كل طرف، وكيفية الوصول إلى نتيجة مربحة للجانبين، ولا يعرف أحد ما إذا كانت هذه الطريقة ستؤتي ثمارها في عام 2023 أم لا.
العرب