العلاقات الفرنسية – الجزائرية إلى مربع التوتر من جديد

العلاقات الفرنسية – الجزائرية إلى مربع التوتر من جديد

الجزائر – يبدو أن معالجة وسائل إعلام فرنسية للحرائق في الجزائر قد أثارت حفيظة السلطة الجزائرية التي ردت عبر بيان نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية وهاجمت فيه بحدة قناة “فرانس 24” الفرنسية الرسمية، في مؤشر على تأزم جديد للعلاقات بين البلدين.

ونشرت الوكالة منتصف ليلة 27 يوليو المنقضي برقية وصفت فيها “فرانس 24″ بـ”الحثالة” و”قناة الشر والفوضى والتلاعبات”، متهمة إياها بمعالجة موضوع الحرائق بشكل “يخالف ضوابط وقواعد الإعلام”.

واتهمت الوكالة باريس بالوقوف وراء معالجة القناة التي تخدم، بحسب ما قالت، مخططات حركة “ماك” الانفصالية التي تطالب بانفصال منطقة القبائل في الجزائر وتصنفها السلطات الجزائرية منذ 2021 كتنظيم إرهابي.

وتكشف حدة لغة البرقية عن تدهور جديد للعلاقات الجزائرية – الفرنسية، والذي يبدو أن بوادره بدأت في مايو الماضي على خلفية تأجيل زيارة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون كانت مقررة إلى باريس. وانتقدت وكالة الأنباء الجزائرية تركيز “فرانس 24” على الحرائق بـ”كثير من التضليل”، رغم استمرار حرائق الغابات في عدة دول أوروبية، وفقا للبرقية.

وقالت “في كورسيكا وفرنسا وإسبانيا والجزائر، تتعدد المشاهد وتتكرر: الهكتارات (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع) من الغابات المشتعلة التي دمرتها ألسنة النيران مخلفة العشرات من الضحايا. إلا أن قناة ‘فرانس 24’ باستهدافها للجزائر، لم تحترم القواعد الأساسية لأخلاقيات المهنة من خلال تعديها بشكل كلي على ضوابط وقواعد الإعلام (…) وعلى السادة العاملين بقناة ‘فرانس 24’ الحثالة، التي تتلقى الأوامر بخصوص الجزائر من أحد المقربين من قصر الإليزيه (…) أن يتحلوا ولو بالقليل من الموضوعية في هذه الأوقات العصيبة والأليمة”.

ووجهت اتهاما صريحا إلى السلطات الفرنسية بالوقوف وراء نهج القناة، بقولها “فرنسا الرسمية التي هاجمت شبكات التواصل الاجتماعي واتهمتها بتأجيج نار الكراهية بعد وفاة نائل، والتي صرحت عبر المتحدث باسم الحكومة أنه لا بد من ‘إحداث قطع’ (تعطيل مواقع التواصل) في حال وجود أزمة، مدعوة إلى أن تلتفت إلى ما يجري في بلدها وترتب أمورها أولا”.

وتعتبر الوكالة بذلك أن فرنسا ليست في موقع يسمح لها بإسداء الدروس، بينما قمعت وسائل التواصل الاجتماعي وحرية التعبير أثناء احتجاجات تضامنية مع أسرة الفتى نائل (من أصول جزائرية) الذي قتله شرطي فرنسي بالرصاص.

ونفت الوكالة تهم التقصير أو عجز البلاد عن التعامل مع الحرائق، معدّدة الإمكانيات “الضخمة” التي جهزتها السلطات لإخمادها، وبينها اقتناء طائرة بسعة 12 ألف لتر من نوع “بيرييف 200″ روسية الصنع و6 طائرات خاصة و12 مروحية، و”هذه الوسائل لا تمتلكها سوى الجزائر في المنطقة”.

و”بالرغم من الأحوال الجوية غير المواتية للتدخل الجوي لطائرات الإطفاء في اليوم الأول، تمت السيطرة على جميع بؤر الحرائق في ظرف 48 ساعة، وهو ما لم يحدث للأسف في بعض البلدان الأوروبية التي تقع على البحر المتوسط أين تستمر مكافحة حرائق الغابات منذ عشرة أيام”، كما أوضحت الوكالة.

ونددت الوكالة بتركيز القناة الفرنسية على محافظتين فقط من أصل 17 أخرى شملتها حرائق الغابات. وتقع المحافظتان وهما بجاية والبويرة في منطقة القبائل وسط البلاد، حيث خلّفت الحرائق أكبر عدد من الضحايا، بينهم 10 عسكريين. في حين قالت المديرية العامة للحماية المدنية إنها تعاملت في 25 يوليو المنقضي مع 97 حريقا في 17 محافظة شمالي البلاد، وسط درجة حرارة قياسية ناهزت الـ50 درجة مئوية ورياح شديدة السخونة.

واعتبرت الوكالة أن تلك الانتقائية من جانب القناة “لعبة خبيثة تخطط لها وتصنعها الحركة الإرهابية ‘ماك’ وحماتها”، مضيفة أنه ”يجدر بقناة الشر والفوضى والتلاعبات أن توقف أكاذيبها المفضوحة”.

ودون تسميته، اتهمت الوكالة مسؤولا فرنسيا مقربا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلعب دور محرك الدمى في “فرانس 24” ومجمع “فرانس ميديا موند” العمومي.

وقالت إن هذا الشخص يتقلد وظيفة سامية كسفير فرنسي ومندوب وزاري مكلف بحوض البحر المتوسط، وإحدى قريباته “مختصة” في تشويه سمعة الجزائر.

ويبدو أن المعني هو كريم أملال من مواليد 1978 وينحدر من أصول جزائرية من منطقة القبائل، ومعروف بقربه من ماكرون الذي عَيَّنَه منذ 2022 في منصب سفير ومندوب وزاري مكلف بحوض البحر المتوسط.

وينتمي أملال إلى حزب ماكرون “النهضة” (الجمهورية إلى الأمام سابقا)، ومُني بهزيمة في انتخابات عام 2020، وانتقد خصومه ترقيته إلى منصب سفير بعد فشله السياسي، واصفين إياه بـ”القوقعة الخاوية”، بحسب تقرير لمجلة “جون أفريك”.

ولأملال شقيقة تُدعى مريم وهي صحافية ومقدمة برامج في “فرانس 24” الناطقة بالفرنسية، والتي أعدت التقرير الذي أغضب الوكالة الجزائرية، وقالت فيه إن “عائلات ومواطنين أُحرقوا أحياء في بجاية”.

واعتبر المحلل السياسي وأستاذ الإعلام عبدالحكيم بوغرارة أن قناة “فرانس 24” هي “أداة هجومية تستخدمها فرنسا ضد البلدان التي ترى أنها ابتعدت عن فلكها”.

وتابع أن “القناة تخضع لسلطة الخارجية الفرنسية ومديرية الأمن الخارجي، وتوظف لشن الحرب النفسية على الجزائر، وقبلها مالي وبوركينا فاسو، خاصة بعد زيارة الرئيس تبون إلى قطر والصين وتركيا، حيث تسعى لإفساد الزخم الذي تعرفه الجزائر على الصعيد الخارجي”.

وأضاف بوغرارة أن القناة الفرنسية “دائما ما يُدفع بها من قِبل صانعيها للتركيز على منطقة القبائل، قصد إثارة الفتن السياسية ومحاولة لي ذراع السلطات الجزائرية”.

ويكشف هجوم الوكالة الجزائرية بتلك الحدة على قناة فرنسية رسمية، ومن ورائها باريس، عن تدهور العلاقات الجزائرية – الفرنسية مرة أخرى، رغم محاولات تبون وماكرون المتكررة لتطبيع العلاقات الثنائية. واحتلت فرنسا الجزائر بين عامي 1830 و1962، وتوجد ملفات خلافية متواصلة بين البلدين منذ تلك الحقبة.

وفي أغسطس 2022 زار ماكرون الجزائر ووقَّع مع تبون اتفاقا للشراكة الجديدة يشمل مجالات عديدة، وكان يُفترض أن يرد تبون بزيارة مماثلة في 3 مايو الماضي لكنها أُجلت إلى نهاية يونيو الماضي ولم تتم حتى الآن.

ويبدو أن العلاقات انهارت مجددا، إذ جاءت برقية وكالة الأنباء الجزائرية في أعقاب أزمة بدأت في يونيو الماضي بانتقاد وجهته وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا لمقطع في النشيد الوطني الجزائري “قسما” يتوعد فرنسا على حقبة الاستعمار.

وبتهكّم رد وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف عليها قائلا “ربما كان يمكنها أن تنتقد أيضا موسيقى النشيد الوطني، ربما الموسيقى لا تناسبها أيضا.. بعض الأحزاب أو السياسيين الفرنسيين يرون أن اسم الجزائر أصبح سهل الاستخدام في الأغراض السياسية”.

وعلى ضوء تلك التطورات، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور مبروك كاهي إن “الجزائر وفرنسا دخلتا مجددا في نفق أزمة”. ولفت إلى أن برقية الوكالة الجزائرية جاءت بعد سويعات من إيداع السفير الفرنسي الجديد أوراق اعتماده لدى الخارجية الجزائرية.

وأضاف كاهي أن “العلاقات بين البلدين تثبت دائما أنها معقدة، والرئيسان تبون وماكرون يجمعان على أن أطرافا فرنسية من اليمين واليمين المتطرف تعرقل كل محاولة للتقدم بالتعاون الثنائي”.

واستبعد تحسنا وشيكا على صعيد معالجة الأزمة الحالية، مرجحا في الوقت نفسه أن الاستحقاقات الثنائية بين الدولتين، على غرار اللجان المشتركة، ستعمل على استعادة التهدئة

العرب