تمكن تنظيم الدولة الاسلامية من مفاجأة الجميع بتمدده وزحفه باتجاه الاراضي الليبية واعلانه عن تواجد مقاتليه في مدينة (سرت) الليبية والسيطرة عليها والتي شكلت بداية لانطلاقه نحو مدن ليبية اخرى وتعزيز امكانياته وتشجيع مؤيديه ومقاتليه للذهاب والقتال في ليبيا .وجاء اعلان تنظيم الدولة الاسلامية على ان(مدينة صبراتة) الليبية امارة اسلامية تأكيدا لقوة وحجم واتساع التنظيم بعد مواجهات ونزاعات عسكرية بين مقاتلي التنظيم وعدد من الفصائل المسلحة غرب مدينة طرابلس ، حيث تمكن التنظيم من الاستعراض داخل مدينة(صبراته) بارتال عسكرية ورفع رايات الدولة الاسلامية في تحدي واضح للمجتمع الدولي وقيادة التحالف العسكري واراد منها التنظيم ان يثبت لجميع المهتمين والمتابعين له ولمؤيديه بأن لديه الامكانية للوصول الى اي مدينة يريدها وتحقيق مبتغاه في اي عملية يعمل على رسم مخططات تنفيذها وبدقة وبنتائج عالية على المستوى الميداني والعسكري اللوجستي .
وجاءت عملية التمدد والزحف باتجاه الاراضي والمدن الليبية بعد سلسلة من الاخفاقات لمقاتلي الدولة الاسلامية في العراق وسورية وانسحابها من مناطق (الصينية وتكريت وبيجي )التابعة لمحافظة صلاح الدين وقضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى في العراق والانسحاب من (مطار كويرس) في سورية والحصار المفروض على مقاتلي التنظيم اطراف مدينة تدمر السورية ، ليؤكد ان التنظيم لديه القدرة على تحقيق أهدافه في مناطق اخرى من العالم.
وهي احد أهداف التنظيم التي سبق وان اشرنا اليها في العديد من مقالاتنا حول اسلوب وحركة وتوجهات التنظيم وسعيه للتمدد نحو شمال أفريقيا ،وتحديدا الاقطار العربية التي تقع قبالة جنوب اوروبا لتشكل امتدادا لأهدافه وسعيه لتنفيذ عمليات مواجهة داخل العمق الاوربي .
ويمكن لنا ان نحدد الاهداف والغايات التي سعى لها تنظيم الدولة من امتداده في الاراضي الليبية وفق المنظور الاتي:
1. ان المدن الليبية المطلة على ساحل البحر الابيض المتوسط وتحديدا مدينة (سرت) تعتبر البوابة الرئيسية لانطلاق التنظيم نحو اوروبا والعالم، وهو بهذا يهدد الامن والسلم الدوليين وينظر الى الدول الاوربية انها البداية لتعزيز قوته ورسم مخططاته وتنفيذ اهدافه .
2. ان المواقع الليبية التي سيطر عليها التنظيم ويسعى لتعزيز اماكنه في مدن اخرى تمتاز بأهميتها وموقعها الاستراتيجي بما تحتويه من معادن ثمينة واحتياطي كبير للنفط يشكل موردا مهما ومنفذا اقتصاديا جيدا يساعد التنظيم على ادامة زخم قتاله وتقديم الدعم والمساندة لمقاتليه باستمراره في المواجهة والتقدم .
3. ان سعي التنظيم لاختيار أهداف استراتيجية ومواقع مهمة ومدن ذات اهمية اقتصادية يشكل محورا اساسيا في توجهاته ، فمدينة(سرت) تحتوي على 80% من اجمالي احتياطي النفط في ليبيا بنحو (45) مليار برميل وتمثل 90% من اجمالي انتاج النفط في ليبيا كما وان فيها (16) حقلا عملاقا (23) حقلا كبيرا موزعة في حوض (سرت) على شكل هلال نفطي يحتوي ما بين 100 مليون برميل كحد ادنى و500 مليون برميل كحد اعلى في هذه الحقول .
4. القتال الدائر الان بين مقاتلي التنظيم والمجاميع المسلحة من مقاتلي الجيش الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر داخل وحول مدينة (اجدابيا) هدفه سعي التنظيم للسيطرة على هذه المدينة لأهميتها الاستراتيجية وامتلاكها حماية محدودة على البحر الابيض المتوسط وتشكل امتدادا مهما نحو الواحات الداخلية في عمق الاراضي الليبية وتمثل هلالا متاخما لمدينة بنغازي وفيها ميناء زويتبنة النفطي المهم ومصانع لتكرير النفط والحصول على المشتقات النفطية .
5. شكل دخول التنظيم لمدينة (صبراته) واعلانها ولاية اسلامية تابعة له اهمية بالغة في تعزيز سيطرته وتحكمه بمنطقة الهلال النفطي الليبي داخل الاراضي الليبية اضافة لتاريخ المدينة العريق وامتلاكها لكنوز اثارية كبيرة وثمينة تعود للعصر الروماني ويمكن له الاستفادة منها في تعزيز موارده المالية وبيع الثمين منها كما حدث في الاثار العظيمة التي تعود للعصور البابلية والاشورية بمحافظة نينوى في العراق أو تهديم البعض منها كما حدث في مدينة (تدمر) السورية ومنطقتي (الحضر والنمرود) العراقية .
6. ان سيطرة التنظيم على هذه المدن تشكل له قاعدة محورية في شمال افريقيا وتساعده على الاسهام في عمليات تهريب النفط بطرق غير مشروعة عبر البحر الابيض المتوسط باتجاه اوروبا لتعزيز وتقوية موارده المالية .
7. بعد الضربات الجوية المستمرة والشديدة لمواقع التنظيم من قبل قيادة التحالف الدولي على مدن الرقة ودير الزور السورية والاخفاقات التي صاحبت تواجده في العراق اصبح الكثير من مقاتلي التنظيم يرغبون بالانتقال والقتال في ليبيا بعيدا عن اعمال واستمرار القصف الجوي .
ان هذه الاهداف وما تحقق منها جاءت متزامنة مع الرؤية الفكرية والعقائدية للتنظيم وقياداته وبما تحقق في مناطق ودول عديدة في شمال افريقيا من احداث ووقائع ساهمت بتعزيز تواجد التنظيم في هذه المنطقة المهمة من العالم والتي يمكن لنا ملاحظتها بالاتي:
1. سعى التنظيم لتوسيع قاعدة انتشاره وتمدده باتجاه القارة الافريقية خاصة بعد اعلان زعيم (حركة بوكو حرام) في شمال نيجيريا (ابو بكر شيكاو) ان مبايعته لابي بكر البغدادي واجب ديني من شأنه اثارة غضب اعداء الله .
2. ان هذا التقارب بين فصائل الدولة الاسلامية وتكثيف التعاون بينهما يشكلان خطرا على الوضع الامني والاستقرار السياسي لدول شمال قارة افريقيا ، حيث يسعى التنظيم لجذب مقاتلين اسلاميين للقتال في القارة وتحديدا في المدن والمناطق التي لدى التنظيم تواجد فيها او خلايا كامنة نائمة ترتبط به وتنفذ ما مطلوب منها .
3. قيام تنظيم الدولة الاسلامية بإعلان (ولاية الدولة الاسلامية في غرب افريقيا) واعداد المنهاج التعبوي والقتالي لإدامة واستمرار هذه الولاية وتنفيذ عدة عمليات على اهداف منتخبة ومهمة داخل المدن التي تتواجد فيها قواعد للتنظيم واستهداف المصالح الغربية فيها ضمن استراتيجية التنظيم في صورة الجهاد الشامل .
4. ان تواجد تنظيم الدولة في المدن الساحلية الليبية وسعيه للسيطرة عليها يهدد الامن الدولي والاقليمي ومنها المصالح الاوربية في منطقة الشرق الاوسط ويشكل تهديدا مباشرة للأمن القومي لهذه البلدان وللدول المجاورة والمطلة على البحر الابيض المتوسط .
5. تسخير وسائل الاعلام ومنها مجلة(دابق) التي تصدر عن المركز الاعلامي للتنظيم في الطلب من المقاتلين الاسلاميين والمرتبطين بهم من التوجه للالتحاق والقتال داخل الاراضي الليبية بما يعزز اهداف وتوجهات التنظيم في مناطق شمال افريقيا .
6. تمكن التنظيم من اقامة (12) معسكرا تدريبيا في مدينة(سرت) وبدأ باعداد المقاتلين والمتطوعين فيه للقتال في باقي المدن الليبية وتحقيق السيطرة عليها ، حيث يبلغ عدد مقاتليه (6000) مقاتل موزعين كالاتي :
أ.850 مقاتل ليبي
ب.1455 مقاتل سوداني
ج.1395 من جنسيات افريقية واوربية
د. 2300 مقاتل من دول شمال افريقيا والمسؤول عنهم (ابوعامر الجزراوي) والي سرت وهو سعودي الجنسية .
ان تصاعد الاحداث وتطور المواقف وتوجهات الدولة الاسلامية في استهداف مقومات الامن القومي لدول شمال افريقيا والدول الاوربية المطلة على قبالة البحر الابيض المتوسط تشكل عاملا مساعدا ودافعا لتدخل دولي عسكري في الاراضي الليبية ، فهل سنرى اجماعا اوربيا وبمساندة امريكية واضحة لتعزيز التعاون والترابط في مواجهة اهداف تنظيم الدولة والسعي لتعزيز وحدة الشعب الليبي والحفاظ على اراضيه هذا ما سنراه في الايام القادمة .
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية