إياد العناز
أكدت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منطقة الخليج العربي ولقائه بقادة دول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر في الثامن عشر من تموز 2023 وجود قواسم مشتركة تجمع تطلعات وأهداف هذه الدول تتمثل بمفهوم الشراكة الاستراتيجية وفتح مجالات رحبة لعلاقات وثيقة وتعاون وتوافق في كافة المجالات واستعداد لإيجاد حالة من التفاهم المشترك في جميع القضايا التي تهم المنطقةو توحيد الجهود وبذل المساعي الحثيثة لترسيخ مفهوم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي واعتماد سياسة الانفتاح وتصفير المشاكل والاتجاه نحو تعزيز مفهوم روح الاخوة والتعاون عبر العديد من التفاهمات والحوارات البناءة التي أثمرت عن توقيع اتفاقيات عديدة في مجالات الاقتصاد والتجارة والتعاون الأمني والدفاع المشترك.
هذه كانت الأوجه الرئيسية التي تمخصت عنها زيارة الرئيس التركي والتي رسمت منحى جديد لعلاقات عربية خليجية تركية تساهم في تعزيز العلاقات العربية التركية وتشكل انطلاقة في رحاب العمل المشترك لتدعيم وتطوير عوامل التأثير الميداني وتعميق مفهوم الجغرافية السياسية الإقليمية ودعم اتجاهات السياسة التي تتبعها هذه البلدان بتنويع علاقاتها وشراكاتها وفق منظور تعدد الأطراف وتامين التواصل مع جميع الدول المؤثرة والتي تطمح لبناء علاقات استراتيجية تضمن مصالحها في منطقة الخليج العربي.
أتت الزيارة بعد الانتخابات التركية وطبيعة السياسية التي انتهجتها القيادة التركية وعودتها للمحيط العربي ودعم حاجة انقرة لجذ الاستثمارات الخليجية ودعم اقتصادها الوطني الذي يعاني من أزمات داخلية وتحديات كبيرة ساهمت في زيادة نسبة التضخم وانخفاض للعملة المحلية، وكذلك للفهم المشترك الذي توليه قيادات دول الخليج العربي في سعيها لتعزيز التعاون الأمني والدفاع المشترك الذي يحقق لها أبعاد استراتيجية ومديات ميدانية تساهم في أحداث حالة من التوازن السياسي والعسكري في منطقة الخليج وفتح آفاق جديدة لإحتضان شريك سياسي مهم لديه القدرة للتفاعل مع التطورات التجاذبات السياسية التي تشهدها المنطقة والتي تجعل من هذه الزيارة احد الأركان المهمة في تحويل الشراكة الخليجية التركية إلى عامل مؤثر في تعزيز الأمن الإقليمي وبناء مرتكزات رئيسية من أجل ضبط حالة الإيقاع ومعالجة جميع الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط بعد أن عانت هذه الدول من عدم الاهتمام الجاد بقضاياها والاهتمام بالحفاظ على امنها القومي والوطني من قبل أكبر حلفائها الولايات المتحدة الأمريكية وتخلي العرب عن المساهمة في تدعيم الأمن ومواجهة التحديات في عدد من العواصم الخليجية، خاصة في مرحلة تصاعد حدة الخلافات والمواجهات مع النظام الإيراني وتهديداته المستمرة لدول الخليج العربي وامتناع الإدارة الأمريكية عن الايفاء بالتزاماتها وتعهداتها الأمنية في الاستجابة لطلب الرياض بتزويدها بمنظومات متطورة للدفاع الجوي وعدد من الأسلحة والمعدات المتطورة والمساهمة في بناء برنامجها النووي السلمي.
إتسمت الزيارة بتنوع الاتفاقيات الموقعة والتي كان أهمها تقديم خدمات التدريب والمساندة وتطوير قدرات الجانب السعودي بنقل التقنية والمعرفة وتدريب الكوادر السعودية بعد الاتفاق على بناد خط للإنتاج الخاص للطائرات المسيرة نوع (بيرقدار) في مدينة جدة، ثم صفقة المبيعات لهذه الطائرة للرياض التي اعتبرت أكبر صفقة تاريخية للأسلحة الدفاعية التركية كما أن التعاون الاستراتيجي العسكري والأمني مع دولة قطر والتواجد التركي العسكري فيها وتوقيع اتفاقيات في كافة المجالات مع الإمارات العربية بقيمة (51) مليار دولار جعل من تركيا شريكا مهماً وجديداً يمكن الإعتماد عليه في مجالات الدفاع والامن الاستراتيجي واعتبارها قوة إقليمية لها دورها المساند والمهم في تعزيز الاستقرار والتوازن في منطقة الخليج العربي وضمان تأثيراتها في جميع القضايا التي تهم المنطقة ومستقبلها ووجودها والحفاظ على منجزاتها الاقتصادية واستقرارها السياسي والأمني.
تبقى آفاق الزيارة التاريخية للرئيس اردوغان انها أكدت أهمية التعاون الثنائي وبناء علاقات ثابتة وصريحة تبتعد عن سياسة الاختلاف التنافس التي طغت عليها في السنوات الماضية والتي اثبت ان التعاون المشترك والحضور الجدي التفاهم الميداني كفيل بحماية المنطقة من أي دور إقليمي ودولي يستهدف امنها ومستقبلها وان سياسة التوازن المشترك وتعزيز الدور الريادي لبلدان الخليج العربي والتناغم مع المصالح التركية كفيل بإيجاد شراكة متينة، نرى انها ستكون ركيزة مهمة وبداية جادة لتحالف إقليمي في منطقة الشرق الأوسط يعزز العلاقات ويعمل على ترسيخ الاستقرار وبناء قواعد منظومات إقتصادية وأمنية واستثمارية عالية.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية