الزراعة البيولوجية في المغرب تصمد وسط التحديات

الزراعة البيولوجية في المغرب تصمد وسط التحديات

يسعى المغرب لتسريع خطواته لتأمين غذاء السكان وتحصين مخزوناته بالتركيز على الزراعة البيولوجية في محاولة للتأقلم مع التغيرات المناخية وتعزيز إنتاجية المحاصيل، وفي الوقت ذاته تقليص التكاليف من أجل توفير منتجات صحية للناس في الأسواق.

بركان (المغرب) – شرع مزارعون مغاربة في تنسيق جهودهم للتغلب على قسوة الظروف الراهنة عبر الاعتماد أكثر على الزراعة العضوية أملا في مواجهة موجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ سنوات وجعلت هذا المجال من أضعف القطاعات مردودية.

وتقوم فكرة هذه الزراعة على ضرورة عدم احتواء المنتجات على أي بقايا للمواد المصنعة مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية، وأيضا المنتجات المعدلة وراثيا، والتي تساهم في تكثيف الإنتاج، لكنها تضر بالصحة، واستبدالها بالسماد العضوي وطريقة تناوب المحاصيل.

ويشكل المزارع نجيب بشيري من مدينة بركان شمال شرق البلاد أحد النماذج التي لها تجربة مع الزراعة البيولوجية والتحديات التي تعترض هذا النمط الأقل مردودية ودخلا، ولكنه الأفضل من الناحية الصحية والبيئية.

واختصر بشيري هذه الطريقة التي قد يجهلها كثيرون، قائلا لوكالة الأناضول إنها “تتم على طريقة الأجداد، سموها الزراعة العادية، ونسميها البيولوجية”.

ورغم أن الأرض المملوكة لعائلته، والتي تقدر مساحتها بنحو 80 هكتارا يمكن أن تدر أرباحا كبيرة بالزراعة التي تعتمد على الأسمدة والمبيدات الكيميائية، لكن نجيب وإخوته اختاروا الزراعة البيولوجية.

وتعتمد هذه الأسرة على استخدام المواد العضوية الطبيعية الخالية من أي إضافات صناعية أو كيميائية في كافة مراحل الإنتاج. ويقول بشيري إنها طريقة تفضي إلى الحصول على منتج طبيعي 100 في المئة.

وزيادة على المواد العضوية، يعتمد هذا الأسلوب على التنويع في المزروعات، ولا يقتصر على منتج واحد كما يحصل في المزارع الأخرى التي تعتمد على نظام التحفيز بالأسمدة والمبيدات.

وإذا كان التنويع خيارا مفروضا في السابق بفعل طبيعة الأرض المتسمة بتعدد الشركاء، وبالتالي تقلص المساحة المستغلة من قبل كل مزارع، فإنه اليوم أثبت قدراته في خلق مناعة جماعية للمحاصيل.

ويقول بشيري إن المنتجات تدافع عن بعضها البعض وتمكن بعضها البعض من المواد العضوية الزائدة عن الحاجة أو التي لا تحتاجها. ويوافقه الرأي صديقه محمد بنعطا المهندس الزراعي المتقاعد، الذي صادفته الأناضول في مزرعة بشيري.

وبين الطماطم والفلفل الحلو والحار والخرشوف الشوكي والرمان والبطيخ الأحمر، عدّد بشيري نحو 12 منتجا ينتجها بشكل متزامن لتحقيق ما يشبّهها بالمناعة الجماعية.

وزيادة على ذلك يرى أن النمط البيولوجي كفيل بمقاومة التغير المناخي عبر نظام التحصين المتبع عكس الزراعات الأخرى المعتمدة على ما يسميه بـ”الدوباج”، أو التحفيز.

وعملية التحفيز التي تتم للأرض باستمرار بواسطة الأسمدة والمبيدات لضمان وفرة الإنتاج، تقضي في المقابل على “مناعتها الذاتية”، وعلى غناها، وتصبح في النهاية تربة غير قادرة على الصمود في وجه التغيرات المناخية.

ورغم أن المغرب اهتم بالزراعة العضوية منذ التسعينات، لكنها لم تنل حظها من الاهتمام الكافي عكس الزراعة غير العضوية التي حظيت بدعم الدولة.

وأطلقت وزارة الفلاحة في 2008 إستراتيجية ضخمة لتنمية الزراعة غير العضوية وتطوير قطاع الصادرات المرتبط بها تحت اسم “مخطط المغرب الأخضر”. وبعد مضي نحو 10 سنوات، بدأت الدولة بالاهتمام بالزراعة البيولوجية.

وتشير الوزارة إلى أنه في 2019 تضاعفت المساحات المخصصة للإنتاج البيولوجي ثلاث مرات لتصل إلى 12 ألف هكتار، مقابل 4 آلاف هكتار في 2010. وتطور حجم الإنتاج في تلك الفترة مرتفعا من 40 إلى 120 ألف طن.

ورغم ذلك تبقى هذه النتائج متواضعة، وهو ما دفع الدولة إلى التفكير في مضاعفة المساحات المزروعة والإنتاج. وفي مايو الماضي، جرى التوقيع على 19 اتفاقية لتنمية سلاسل الإنتاج على هامش المعرض الدولي للفلاحة بمدينة مكناس.

وتطمح الدولة بموجب المخطط الجديد لبلوغ 100 ألف هكتار من المساحات المزروعة بالنمط البيولوجي، وإنتاج 600 ألف طن سنويا بحلول 2030.

وحتى تترجم الدولة التزاماتها واقعيا وتفعيل الخطة الجديدة، فإن المزارع البيولوجي يكاد يتحمل لوحده كلفة الإنتاج التي تبقى مرتفعة.

ويلفت بشيري إلى أن المزارع البيولوجي، حتى قبل الخوض في حساب كلفة الإنتاج المعروفة، فإن لديه تكاليف مرتبطة بإثبات ما يمكن اعتباره الهوية البيولوجية.

وفي سبتمبر 2018، شرعت الرباط في تطبيق قانون الإنتاج البيولوجي للزراعة والصيد البحري، بعد خمس سنوات من اعتماده من البرلمان.

أبرز التحديات

● إقناع المستهلكين بجدوى استهلاك المحاصيل العضوية

● المساحات المحدودة رغم الجهود المبذولة لتوسيعها

● محدودية قواعد ومنصات بيع هذه المنتجات في البلاد

ومما يفرضه القانون على المنتجين، الحصول على شهادة المطابقة للمعايير المحددة، وهي عملية يقوم بها لفائدة بشيري مكتب إيطالي متخصص، وتكلّفه سنويا نحو 8 آلاف درهم (نحو 900 دولار).

ووفق وزارة الفلاحة، فإنه من أجل المراقبة والإشهاد على المطابقة لمعايير الجودة للمنتجات البيولوجية، اعتمد قطاع الزراعة هيئتين متخصصتين معتمدتين على الصعيد الدولي في مجال المراقبة والإشهاد على المطابقة للمعايير.

وإذا كانت السوق تحتكم لمبدأ العرض والطلب، فالمحاصيل البيولوجية لا تنضج إلا بعدما تكون السوق قد أغرقت بالمنتجات الأخرى، التي تساهم أكثر من وسيلة وتقنية ومادة كيميائية في إنضاجها قبل الأوان.

وقال الغلبزوري السكناوي مدير شركة بيو ماركت المتخصصة في تسويق المنتجات البيولوجية للأناضول إن “قطاع المنتجات البيولوجية يعرف نموا مطردا، لكن في المقابل يواجه تحديات عديدة”.

وأول التحديات، حسب السكناوي، يكمن في ثقافة المستهلك الذي يحتاج إلى “تحسيسه بأهمية استهلاك المنتوج البيولوجي، ووجاهة ذلك على المستوى الصحي والغذائي”.

وأضاف أن “التحدي الثاني يكمن في المساحات المحدودة، رغم المجهودات المبذولة لتوسيعها، وهو ما ينعكس على كلفة الإنتاج، والتي تبقى نسبيا مرتفعة، وتنعكس على أسعار البيع للمستهلك الذي لا يتمكن من مجابهتها”.

أما التحدي الثالث، وفق السكناوي، فيتمثل في “تكثيف الإنتاج وتوسيع قواعد ومنصات البيع التي تبقى محدودة في البلاد”.

ويرى أن “الحل قد يكمن في المزيد من التشريعات والقوانين التي تميز بين المنتجات العضوية والمنتجات غير العضوية في السوق”، وهو ما عبر عنه أيضا بشيري بالقول “يجب أن تخصص منصات خاصة بالمنتجات العضوية”.

العرب