فرنسا تعدل بوصلتها لمواجهة مخاطر “إضعاف الغرب”

فرنسا تعدل بوصلتها لمواجهة مخاطر “إضعاف الغرب”

باريس – رسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام سفراء بلاده، الاثنين، خارطة طريق سياسته الخارجية للسنة المقبلة في مواجهة وضع دولي يزداد صعوبة وتعقيدا وضيق هامش المناورة أمامه في مناطق عدة من العالم.

وتطرق ماكرون في خطابه السنوي في قصر الإليزيه إلى الأوضاع في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ومنطقة المحيط الهادئ، مبرزا أولوية حماية مصالح فرنسا ومحذّرا من مخاطر تراجع دور أوروبا في ظل تعقيدات حرب أوكرانيا.

واعتبر ماكرون في كلمته التي استمرت لنحو ساعتين أن السياق العالمي يزداد “صعوبة وتعقيدا (…) ويهدد بإضعاف الغرب وخصوصًا أوروبا” خاصة في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا وصعود قوى جديدة قد تبدّل ركائز النظام العالمي القائم على تفوق دول الغرب.

وأضاف “ثمة إعادة نظر متدرجة في نظامنا العالمي الذي كانت للغرب فيه مكانة راجحة”، مؤكدا رفضه الركون إلى “التشاؤم” في هذا السياق.

وتطرق ماكرون إلى موافقة دول مجموعة بريكس (الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل) على التوسع اعتبارا من العام المقبل من خلال دعوة كل من إيران والسعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا إلى صفوفها.

وسعت الصين، أبرز دول المجموعة التي تضم كبرى الاقتصادات الناشئة و40 في المئة من سكان العالم، لتوسيعها في خضم منافسة محمومة مع الولايات المتحدة.

وأقر الرئيس الفرنسي بأن التكتل يبدي “رغبة في إنشاء نظام بديل”. واعتبر أن على أوروبا “العمل على صيغ جديدة مع بعض الدول الأعضاء في بريكس مثل البرازيل والهند بشأن أجندة المناخ والطاقة وغيرها من المجالات”.

وشدد على وجوب أن يظهر الاتحاد الأوروبي “جسارة” في مقاربة المسائل السياسية، داعيا إلى “دمج” إضافي في صفوفه والإسراع في درس طلبات انضمام دول مثل أوكرانيا ومولدافيا.

وتطرّق ماكرون إلى تحديات تواجه السياسة الخارجية الفرنسية، من أبرزها الانقلاب في النيجر الذي أطاح بالرئيس المقرب من باريس محمد بازوم.

وشهدت العلاقات بين نيامي والقوة الاستعمارية السابقة توترا متصاعدا منذ انقلاب 26 يوليو بلغ حد المطالبة بمغادرة السفير الفرنسي للبلاد التي تنشر باريس نحو 1500 جندي على أراضيها.

وقال ماكرون إنّ “فرنسا والدبلوماسيين واجهوا في الأشهر الأخيرة مواقف صعبة في بعض البلدان” سواء في النيجر أو في السودان في ظل النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل.

وأشار إلى أنّ فرنسا ترفض أي “إملاء” أو “ضعف” في أفريقيا خصوصا منطقة الساحل التي شهدت انقلابا عسكريا هو الثالث بعد مالي وبوركينا فاسو، داعيا دولها إلى اتباع “سياسة مسؤولة”.

ماكرون انتقد حلفاءه الغربيين مثل واشنطن وبرلين وروما لتفضيلهم اعتماد المسار الدبلوماسي في النيجر

وانتقد ماكرون حلفاءه الغربيين مثل واشنطن وبرلين وروما لتفضيلهم اعتماد المسار الدبلوماسي في النيجر، في حين لم تخف باريس استعدادها لدعم خيار التدخل العسكري الذي لوّحت به الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” لإعادة الانتظام الدستوري إلى نيامي.

وأوضح “يقولون لنا إن السياسة الملائمة هي التخلي عن الرئيس المخلوع لأن هذا هو الرائج حاليا، يجب أن يكون كل شيء منتجا محليا، حتى إذا كان الأمر يتعلق بانقلابيين”.

وبقي السفير الفرنسي في نيامي على رغم انقضاء المهلة الممنوحة له للمغادرة. ورفضت باريس طلب المجلس العسكري، معتبرة أن حكومة بازوم المحتجز منذ الانقلاب هي السلطة الشرعية المخولة إصدار أمر كهذا.

وفي آسيا، أعلن ماكرون العمل على “مبادرة” بين أذربيجان وأرمينيا بشأن النزاع حول إقليم ناغورني قرة باغ.

وفي الشرق الأوسط، دعا ماكرون إيران إلى الإفراج عن أربعة سجناء فرنسيين، معتبرا أن “لا شيء يبرّر احتجاز” مواطنيه “في ظروف غير مقبولة”.

ولا تزال الجمهورية الإسلامية تحتجز أربعة فرنسيين هم لوي أرنو الموقوف منذ سبتمبر 2022، والمعلّمة والنقابية سيسيل كولر ورفيقها جاك باري الموقوفين منذ مايو 2022 بتهمة “التجسس”، وشخص آخر لم تُكشف هويته. وفي فبراير، أطلقت السلطات في طهران سراح الباحثة الفرنسية – الإيرانية فريبا عادلخاه بعد سجنها بتهمة المساس بالأمن القومي، من دون أن يسمح لها بعد بمغادرة البلاد.

وشدد ماكرون على أن باريس ستواصل الضغط من أجل الإفراج عن رعاياها. وأوضح “أريد أن أقول ببساطة في ما يتعلق بإيران، إن فرنسا ستواصل اعتماد سياسة واضحة، لا ضعف”.

وإلى ذلك، أعلن ماكرون أنّ مؤتمر الأمن الإقليمي المقبل لدعم العراق سيعقد في بغداد في نوفمبر.

ويهدف المؤتمر إلى جمع دول جوار العراق على رغم التباينات في ما بينها، ومنها السعودية وإيران اللتين استأنفتا هذا العام العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من القطيعة.

وتطرق ماكرون إلى مسألة دعوة سوريا ورئيسها بشار الأسد إلى الهيئات الإقليمية والدولية بعد سلسلة من خطوات التقارب الإقليمي مع دمشق أبرزها عودتها إلى جامعة الدول العربية.

وفي ما بدا تحفظا إزاء هذا التقارب، شدد الرئيس الفرنسي على أن “جميع دول المنطقة تحاول استئناف الحوار مع سوريا، وإعادتها إلى مختلف منتديات التفاوض والشراكة”، لكن “إعادتها إلى الهيئات الإقليمية يجب أن تضمن مزيدا من التعاون في مكافحة المنظمات والجماعات الإرهابية والقيام بعملية سياسية تسمح للاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم مع ضمانات الحماية والاعتراف والأمن السياسي والاقتصادي”.

وعلى صعيد آخر، أدان ماكرون سياسات إيران الإقليمية “المزعزعة للاستقرار خلال الأعوام الماضية”، مشددا على أن إعادة انخراط الجمهورية الإسلامية “تتطلب منها أيضا أن توضح سياستها حيال جيرانها الأقربين”.

العرب