أنقرة- عمقت انتكاسة السياسة النقدية الجديدة التي تتبعها تركيا متاعب المستهلكين مع استمرار الأسعار في الارتفاع، رغم تطمينات المسؤولين بأنها فترة مؤقتة قبل تحقيق هدفهم وهو خفض مستوى التضخم إلى أدنى مستوى ممكن هذا العام.
وتسارع معدل أسعار الاستهلاك إلى أعلى مستوياته هذا العام، ما يبرز التحدي الضخم أمام البنك المركزي، الذي تقوده حفيظة أركان، في الوقت الذي يرفع فيه أسعار الفائدة من أجل إنهاء أزمة تكلفة المعيشة.
ووفقا لمكتب الإحصاء التركي، صعدت وتيرة الزيادات السنوية في أسعار المستهلكين إلى 58.9 في المئة الشهر الماضي مقارنة بنحو 48 في المئة خلال يوليو، وذلك في ظل ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة. وبلغ أوسط تقديرات المحللين الذين شاركوا في استطلاع أجرته بلومبرغ نحو 55.9 في المئة.
◙ التضخم من المحتمل أن يبلغ بنهاية هذا العام 58 في المئة وأن يصل إلى ذروته في الربع الثاني من 2024 عند 60 في المئة
وعلى أساس شهري، بلغت الزيادة حوالي 9.1 في المئة، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوقع، فيما صعد مؤشر التضخم الأساسي الذي يستثني البنود ذات الأسعار المتقلبة بنحو 64.9 في المئة.
وصعدت كلفة المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية، التي تشكل حوالي ربع مكونات مؤشر التضخم، بنسبة 72.9 في المئة على أساس سنوي في أغسطس مقارنة بنحو 60.7 في المئة خلال يوليو.
وأظهرت الإحصائيات أيضا تسارعا في معدل التضخم بقطاع الخدمات إلى نحو 79.6 في المئة مقارنة مع 69.7 في المئة خلال الفترة المقارنة ذاتها.
كما زادت أسعار المنتجين التي تقدم مؤشراً مبكراً على ضغوط التضخم بنسبة 49.4 في المئة سنوياً مقارنة مع 44.5 في المئة.
وباتت استعادة استقرار الأسعار أولوية بشكل متزايد منذ أن فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بإعادة انتخابه في مايو الماضي ثم جدد فريقه الاقتصادي بتعيين وزير المالية محمد شيمشك ومحافظة البنك المركزي حفيظة غاية أركان.
وتضمنت الجهود المبذولة لإنهاء حقبة تكاليف الاقتراض المنخفضة للغاية حتى الآن، رفع المركزي أسعار الفائدة ثلاث مرات إلى 25 في المئة، وإلغاء بعض اللوائح التي سعت إلى إبقاء الائتمان رخيصاً.
لكن انخفاض الليرة التي تكبدت ثاني أكبر تراجع في قيمة عملات الأسواق الناشئة منذ بداية 2023 ما يزال يلقي بظلاله على الاقتصاد ويضخم تأثير الزيادات الضريبية الأخيرة التي أعلنتها الحكومة لتمويل عجز الميزانية المتزايد على الأسعار.
وقالت سيلفا بحر بازيكي محللة الاقتصاد التركي في بلومبرغ إيكونوميكس إن “ارتفاع معدل التضخم في تركيا إلى أكثر من 50 في المئة في أغسطس، لم نشهده منذ مارس، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة”. واستبعدت أن يؤدي ارتفاع الليرة خلال الآونة الأخيرة إلى خفض أسعار المستهلكين، لكنه قد يساهم في إبطاء التضخم خلال الفترة المتبقية من العام.
وفي أواخر يوليو، قالت أركان إن “التضخم من المحتمل أن يبلغ بنهاية هذا العام 58 في المئة وأن يصل إلى ذروته في الربع الثاني من 2024 عند 60 في المئة”. لكن المركزي حذر من أن زيادة أسعار المستهلكين قد تخالف توقعاته بحلول نهاية 2023.
وفضَّل المركزي رفع سعر الفائدة بمعدل كبير في أواخر أغسطس متجاوزاً التوقعات، في محاولة منه لدرء التكهنات بشأن صعود التضخم بين الشركات والمستثمرين. ومن المقرر اتخاذ المركزي قرارا بشأن الفائدة مرة أخرى في وقت لاحق هذا الشهر.
ويقول أغلب المحللين إن الوضع يتطلب مزيداً من التشديد النقدي. وكتب محللو بنك غولدمان ساكس، بقيادة كيفن دالي، في تقرير أن تأثير الإجراءات المطبقة مؤخرا، بما في ذلك الرفع الحاد لأسعار الفائدة “يستغرق بعض الوقت ليصبح ملموسا”.
وأضاف التقرير “في ضوء ذلك، نتوقع مواصلة التضخم للصعود على المدى القريب بسبب استمرار الزيادات الكبيرة في التكاليف”.
العرب