وليمة من أعشاب البحر مستقبل الغذاء في العالم

وليمة من أعشاب البحر مستقبل الغذاء في العالم

وضعت التغييرات المناخية البشر أمام أزمة غذاء حادة بسبب موجة الجفاف والنقص الحاد في المياه، ما اضطر الخبراء إلى البحث عن حلول جديدة لتوفير الطعام للمليارات من الناس، فكانت زراعة الأعشاب البحرية التي تأخذ جهد العاملين بها أحسن الولائم والوجبات الحالية، على الرغم من أنها مازالت في مراحل التطوير والتعميم.

ماندابام (الهند) – عدّلت مجموعة من النساء في جنوب الهند نظارات السباحة اللاتي وضعنها على وجوههن وحرصن على لف أصابعهن بقطعة قماش لحمايتها من الشعاب المرجانية، ثم قفزن في مياه المحيط لجمع الأعشاب البحرية في روتين يومي منذ طفولتهن.

يعدّ هذا العمل شاقا، ويستغرق وقتا طويلا مع أن أرباحه ضئيلة، حيث يبلغ متوسط الربح من بيع الأعشاب البحرية للمنشآت الصناعية ​​حوالي ألفي روبية (24 دولارا) شهريا.

وسألت مونياما، البالغة من العمر 58 عاما، وهي تعدّل قناع الغطس على أنفها “هل تعتقد أن أي شخص سيختار هذا العمل إن لم يكن يائسا؟”.

ولا تملك مونياما والأخريات أي معدات متخصصة، فتضع قميصا فوق الساري الذي ترتديه قبل أن تنزل من قارب صغير في جزيرة كروساداي في ولاية تاميل نادو.

ويتزايد الاهتمام العالمي باستزراع الأعشاب البحرية، مما جعل الهند تضع خططا طموحة لزيادة إنتاجها الصغير من هذه المكونات الصالحة للأكل، والتي لقيت الإشادة بسبب القيمة الغذائية التي توفرها ومؤهلات القطاع الصديقة للبيئة.

وتهدف الخطط الحكومية الهندية إلى زراعة الأعشاب البحرية على طول ساحل شبه الجزيرة البالغ طوله 7500 كيلومتر، وزيادة الإنتاج من 30 ألف طن إلى 11 مليون طن بحلول سنة 2025.

وقال في فيراغوروناثان، وهو العالم الرئيسي في محطة أبحاث الطحالب البحرية التي تديرها الحكومة ومقرها ماندابام الواقعة قرب مكان عمل النساء الباحثات عن الأعشاب البحرية، إن “الهند تنتج 0.02 في المئة فقط من إجمالي الأعشاب البحرية في العالم. وإذا نجحت جميع الولايات البحرية التسع بإدخال هذه الزراعة، فسيتعزز دورنا بشكل كبير”.

وتشمل خطط الهند إنشاء حديقة لمعالجة الأعشاب البحرية الرطبة والمجففة في تاميل نادو، ومزارع تجريبية نموذجية، ومشاتل للأعشاب البحرية، وتطوير وصفات للأعشاب البحرية تناسب الذوق الهندي.

وتختلف الأعشاب البحرية عن المحاصيل الأخرى، حيث يمكن زراعتها دون استهلاك المزيد من الأراضي أو المياه العذبة بينما تشكل تأثيرات تغير المناخ (الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات) تهديدا رئيسيا ناشئا للأمن الغذائي العالمي.

ويتزامن الاهتمام بإنتاج الأعشاب البحرية مع تكثيف الجهود حول العالم لتحديد كيفية تحقيق التوازن بين حماية الطبيعة والزراعة، وإدخال تغييرات ذكية مناخيا في النظم الغذائية.

واعتبر فنسنت دوميزل، وهو كبير مستشاري المبادرة التطوعية لشؤون المحيطات في الميثاق العالمي للأمم المتحدة التي تعتمد على التزامات القطاع الخاص لتحقيق الاستدامة، هذه الأعشاب “أعظم مورد غير مستغل على هذا الكوكب”، وشدد على أهمية التمكن من زراعتها.

ووصف دوميزل، الذي ألف كتابا بعنوان “ثورة الأعشاب البحرية”، هذه المحاصيل بأنها “قنبلة غذائية” مليئة بالفيتامينات والبروتين والزنك واليود، مشيرا إلى أن جميع أصناف الأعشاب البحرية المعروفة البالغ عددها 12 ألف نوع صالحة للأكل.

الاهتمام العالمي باستزراع الأعشاب البحرية دفع بالهند إلى وضع خططا طموحة لزيادة إنتاجها الصغير من هذه المكونات الصالحة للأكل

بالإضافة إلى السوشي والسلطات، يتزايد الطلب على مستخلصات الأعشاب البحرية (الأغار والألجينات والكاراجينان) لاستخدامها في المنشطات الحيوية، ومستحضرات التجميل.

وتجعل مستخلصات الأعشاب البحرية بعض الأطعمة صديقة للاستهلاك، وتوفر بديلا نباتيا للجيلاتين الحيواني. وتُعتمد لتمكين تماسك الزبادي، وجعل منتجات اللحوم أكثر طراوة، وفي صناعة المربى والهلام والآيس كريم، كما تُعتمد الأعشاب البحرية في سلاسل الإمدادات الغذائية مثل الأسمدة العضوية والأعلاف الحيوانية.

وقُدّرت قيمة سوق الأعشاب البحرية العالمية بنحو 17.85 مليار دولار في 2021، وفقا لشركة بولاريس لأبحاث السوق. ومن المتوقع أن تنمو بنسبة 10 في المئة سنويا، حيث تهدف الدول الساحلية كالهند إلى زيادة الإنتاج.

وقال البنك الدولي في تقرير أصدره الشهر الماضي إن 10 أسواق عالمية ناشئة للأعشاب البحرية (من العلف الحيواني إلى المنشطات الحيوية التي تعزز الإنتاجية) تتمتع بإمكانات نمو قد تصل إلى 11.8 مليار دولار بحلول 2030، ويرجع جزء من ذلك إلى قدرة النبات على تخزين الكربون الذي يزيد من سخونة الكوكب وعلى تعزيز التنوع البيولوجي البحري.

كما توفر الأعشاب البحرية الغذاء للحيوانات البحرية، وتنقل العناصر الغذائية من مياه البحر إلى النظام الغذائي.

ويؤدي ارتفاع منسوب مياه البحار في الهند إلى تآكل السواحل التي تصطف عبرها أشجار النخيل، وقال فيراغوروناثان إن مزارعي جوز الهند “يتحولون إلى الأعشاب البحرية”، مما يزيد من الحاجة الملحة إلى إضفاء الطابع المهني على هذا القطاع.

وتعتبر المياه المحيطة بمكتب فيراغوروناثان في ماندابام موطنا لحوالي ربع أصناف الأعشاب البحرية المحلية البالغ عددها 844 نوعا.

وصنع طلاب في المجال العلمي قوارب من الخيزران، ودخلوا مياها موحلة تصل إلى الخصر في مضيق بالك قبالة تاميل نادو، بهدف إجراء اختبارات على سلالات مختلفة من الأعشاب البحرية.

ووجدوا حتى الآن أن ما بين 8 و10 سلالات فقط من الأعشاب البحرية في الهند صالحة للاستخدام تجاريا، ولا يعرف العلماء سوى القليل عن الباقي أو الظروف المثلى لزراعتها.

وقال سونداراجنانام، وهو طالب علم الأحياء الدقيقة يبلغ من العمر 22 عاما، بينما كان يعد عينات للاختبار “نحاول تقديم المعلومات لمزارعينا”.

وأشار إلى أن المحاولات السابقة لإدخال سلالات غير محلية في صناعة الأغذية كانت معقدة.

وخلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حاولت شركة تصنيع المشروبات بيبسيكو زراعة سلالة مستوردة من الأعشاب البحرية من الفلبين بالقرب من ماندابام.

وأشارت إليها النساء المحليات باسم “بيبسي باسي” (تعني باسي باللغة التاميلية الأعشاب البحرية).

وأمكن استخدام مستخلص الأعشاب البحرية لصنع الكاراجينان، وهي مادة مضافة تستخدم في صناعة المشروبات الغازية، لكن المخاوف من الإضرار بالشعاب المرجانية وضعت حدا للجهود المبذولة لزيادة الإنتاج.

وتشكّل الأمراض (التي ترتبط جزئيا بارتفاع درجات حرارة المحيطات) مصدر قلق للباحثين الذين يعملون على تعزيز إنتاج الأعشاب البحرية في الهند وأماكن أخرى.

وسجّلت الفلبين، التي تعد من بين أكبر مصدري الأعشاب البحرية ومستخلص الكاراجينان في العالم، نوعين من الأعشاب البحرية الحمراء المهددة بارتفاع درجات الحرارة والأمراض المرتبطة بتغير المناخ، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج ودخل المزارعين.

ويتوقع خبراء الأعشاب البحرية زراعة أنواع جديدة مناسبة للبلدان الاستوائية وتطوير التقنيات التي يمكن أن تساعد سلالات الأعشاب البحرية على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة.

وتنطلق قوارب جامعي الأعشاب البحرية في تاميل نادو لمدة 10 أيام شهريا بسبب القيود الحكومية لمنع الإفراط في الاستخراج. وتشهد الولاية العديد من العقبات الأخرى التي تعرقل خطط الأعشاب البحرية الهندية.

وقال فيراغوروناثان إن الإفراط في الاستخراج يستنزف المحاصيل بشكل كبير ويضر بالنظام البيئي البحري الهش. لكن الجهود الحكومية للحد من هذا الاتجاه وتطوير خطط الزراعة في المخابر قوبلت بعدم الثقة. ويرجع ذلك جزئيا إلى تجربة بيبسي باسي.

وقال سونداراجنانام إن القرويين يعملون على التمكن من أساليب الزراعة الجديدة تحت الماء، لكنهم يشتكون من ضعف العائدات وندرة البذور، مؤكدا الحاجة إلى المزيد من المعرفة في هذا القطاع الحيوي.

العرب