اتحاد الشغل على الهامش: النقابات القطاعية تبحث عن تسويات مع الدولة

اتحاد الشغل على الهامش: النقابات القطاعية تبحث عن تسويات مع الدولة

تونس – تسير النقابات القطاعية في تونس عكس الخط الذي يريده الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي الذي لوح قبل أيام بأن الاتحاد لن يكون “شاهد زور”، وأن نهاية الصيف ستشهد عودة إلى “النضال” من بوابة الدفاع عن “تعديل القدرة الشرائية”.

وباتت النقابات القطاعية تميل إلى التهدئة والتوصل إلى حلول مباشرة مع المؤسسات المعنية وتوسيط السلطة المحلية لإنجاز تفاهمات واقعية تراعي ظروف العمال وظروف المؤسسات التي ينتمون إليها.

وعكس إلغاء إضراب مصنع نقابة الفولاذ ببنزرت، وكذلك تأجيل إضراب جامعة النفط الذي كان مقررا بالتزامن مع العودة المدرسية، هذا التوجه النقابي الذي يقوم على تغليب مصلحة العمال والمؤسسة في الوقت نفسه.

ويبعث اتجاه النقابات القطاعية إلى البحث عن حلول خاصة بها عبر الحوار مع المؤسسات وبواسطة من السلطة المحلية رسالة واضحة يفيد مضمونها بأن ثقة النقابات بقيادة الاتحاد باتت مهزوزة، وأنها لا تريد السير في مسار التصعيد لأنه سيضر بها خاصة أن الدولة لم تعد ضعيفة كما في السابق، ويمكن أن تتخذ إجراءات قانونية ضد من يتعمد تعطيل عمل المؤسسات والشركات مثل ما حصل مع المعلمين الذين رفضوا تسليم نتائج الامتحانات في ما عرف بقضية “حجب الأعداد”.

ويشار إلى أن الإضرابات التي كان يقررها اتحاد الشغل لم تمض إلى التنفيذ منذ أشهر، وأنه يتم تأجيلها أكثر من مرة، وهو ما يؤكد أن العمال يبحثون عن حلول مع الدولة بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية، ومع الشركات بالنسبة إلى القطاع الخاص، وأنهم لا يريدون المزايدات.

ويقول مراقبون إن الوضع الداخلي للاتحاد، في ظل الخلافات التي تشق المكتب التنفيذي وتوتر علاقته مع السلطة وتمسكه بلعب دور سياسي، يجعل من الصعب عليه أن يتحكم في النقابات خاصة في القطاعات المهمة، ويشي بأنه لن يقدر على توظيفها سياسيا.

ويشير المراقبون إلى أنه بات من الصعب على الاتحاد القيام بإضراب شامل في القطاعات الحكومية، على عكس ما نجح في تنفيذه سابقا، وأن النقابات القطاعية صارت تسير إلى تسويات بينها وبين الدولة والسلطات المحلية مثل ما جرى في مصنع الفولاذ.

واعتبر المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “اتحاد الشغل فهم أن المعادلة الاجتماعية لم تعد تخضع لضغوط سياسية أو نقابية”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد بصدد نوع من النضج الاجتماعي والنقابي، لأن الإضراب ليس الهدف في حد ذاته، وقد أدرك أنه من الصعب العودة إلى مربع 2013 بلعب دور سياسي بالأساس”.

وأوضح الرابحي أنه “لم تعد هناك قرارات مسقطة والنقابات ترفضها وبعضها أصبحت سيّدة قرارها ولا تخضع لإملاءات السلطة المركزية، خصوصا في ظل الخلافات التي أصبحت تسود المنظمة”. وتابع أن “الاتحاد فهم أنه لا يمكنه اعتماد الإضرابات كورقة ضغط سياسية”.

وقررت نقابة مصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة (محافظة بنزرت – شمال) إلغاء الإضراب العام لأعوان وإطارات المؤسسة الذي كان مبرمجا الخميس 7 سبتمبر، وذلك بعد اجتماع اللجنة الجهوية للتصالح التي عقدت الثلاثاء بمقر الولاية (المحافظة). يشار إلى أن الإضراب قد تم تأجيله للمرة الخامسة على التوالي قبل أن يتم إلغاؤه

ومن الواضح أن النقابة قد بحثت عن حل قابل للتطبيق يضمن استمرار العمل في المؤسسة وتجنب مصير الكثير من المؤسسات التي اضطرت إلى الإغلاق بسبب الشروط المجحفة التي كانت ترفعها النقابات في السابق.

لكن اللافت أنها تصرفت بمفردها، ولم يحضر عضو من المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل جلسات الحوار ليوقّع على الاتفاق كما يحصل عادة، وخيّرت الحل المباشر مع المؤسسة وبرعاية السلطة المحلية، وهي طريقة تعرف أنها ستكون فعالة وترضي مختلف الأطراف.

وعرف المصنع الكثير من العراقيل وكان مهددا بالإغلاق بسبب إضرابات سابقة. ومن شأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الثلاثاء أن يضع المؤسسة على طريق الإصلاح.

وتتناقض هذه التسويات مع موقف أمين عام اتحاد الشغل الذي قال منذ أيام إنه ”لا يمكن للاتحاد أن يكون شاهد زور في ظل تدهور الوضع المعيشي”.

وأضاف الطبوبي أن ”الاتحاد سيعود إلى الساحة، بعد انقضاء الموسم الصيفي، بلحمة واحدة وإستراتيجية واضحة في الخيارات وفي النضال السلمي والمدني، لتحقيق الأهداف وتعديل المقدرة الشرائية”.

وتابع أن “المنظمة طالبت، خلال اتفاق 15 سبتمبر 2022 (مع الحكومة)، باستئناف المفاوضات خلال مارس وأبريل نظرا إلى الظرف الذي يعيشه العالم من تضخم وفقدان للمواد الأساسية وتأثير التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي”.

وطالب “رئيس الجمهورية بمصارحة الشعب وقول الحقيقة بشأن الوضع الذي تعيشه البلاد، كما طالب رئيس الحكومة أحمد الحشاني بفتح حوار مع مختلف المكونات، كما هو الأمر في مختلف دول العالم”.

العرب